الاثنين، 1 مايو 2017

مشاغبو ما قبل الضربة قصة قصيرة



مع انتهاء كل ليلة من تلك الليالي المضطربة الطويلة وسماع  آذان الفجر ثم قدوم الصباح و انتشار بواكير أشعة الشمس كانت تنتابني على الدوام  رغبة جامحة بأن أغط في نوم عميقٍ خالياً من الأحلامِ و الكوابيسٍ معاً , نوماً يعيد إلى جسمي المتكسر بعضاً من قواه المنهارة, لكن تحقيق ذلك بدا أمراً شبه مستحيل ففي بلدتنا أطفالاً يعشقون الحياة , يفيضون نشاطاً و حيوية , لا يعرفون شيئاً اسمه التعب أو الخوف و لا تعرف نفوسهم التشائم على الرغم من ذلك الحصار اللانساني الطويل الخانق , يفيقون عادة  في الصباحات الباكرة و يملؤون الدنيا صخباً, أنا شخصياً فكرت و تساءلت كثيراً في أمر هذه الظاهرة و لم أتوصل إلى إجابة مقنعة سوى احتمال أن قوة التحدي تكبر عندهم توازياً مع سلوك الكبار الذين لايأبهون لما آل اليه حالهم و ربما تكون لبطونهم الخاوية دور في كل ذلك , لكن بصورة أو بأخرى كان شغبهم فيه تأكيدٌ على أننا لازلنا على قيد الحياة.
مضت ليالي كثيرة و أنا أعاني قلة النوم و حتى كلاب البلدة لم تكن  تنقطع بدورها عن النباح . كنت أشعر بأن هناك خطر ما في المحيط القريب من تخومنا و ظننت بأن الكلاب أيضاً كانت تحس بالخطر نفسه لذلك كانت قلقلة و تنبح دون انقطاع في كل ليلة تبدأ مع أفول الشمس و حلول الظلام و تستمر حتى بزوغ أولى خيوط الفجر من جديد و يكون التعب قد نال من الجميع ,حينها يغفو كل في مكانه في نوم خفيف متقطع شبيه بنوم فترة القيلولة على الرغم من التعب و الإرهاق. أنا أيضاً كنت أشعر في الأوقات المتأخرة من تلك الليالي الطويلة بأن قواي قد نفذت تماماً  لدرجة أنني لم أكن أتمكن من الانتقال الى الفراش و بالكاد كنت استطيع سحب الغطاء ليدفىء قدمي الباردتين, أتكورُ على نفسي و أرفعُ ركبتيّ حتى تلامسا جسدي و أضغطُ الوسادة الصغيرة على عظام صدري و كأن أحداً ما يريد أن يسلبني إياها وحين أصبحُ على وشكِ أنْ أغرقَ في نوم شبهِ عميق يبدأُ صخب الأطفالِ المعتادْ !

الليلة الماضية دون غيرها كان عواء الكلاب فيه شي من النحيب الحزين و كأن الكارثة واقعة على البلدة لامحالة , استمر النباح طويلاً رتيباً دونما انقطاع و في وقت متأخر جداً من تلك الليلة الثقيلة أغمضت عينيّ بعد أن غلبني النعاس! استقيظت على صوت عنيف لطائرات حربية هدرت في سماء بلدتنا على ارتفاع منخفض هزّتْ الأرضَ و أسقطتْ كل ما هو قائم و حين ابتعدت خيّم صمتُ مطبقُ على االمكانْ . لا أعرف بعد ذلك إن كنت قد غفيتُ مرةً أُخرى أَم أُغمي عليّ, كل ما أعرفه أن هناك فراغ ما...  فسحة من الزمن بين لحظة دويّ تلك المقاتلات و يقظتي الأخيرة ,ظننت بداية بأنني كنت أحلم , و أن كل ماحدث مجرد تهيؤات!
غريب!!
لماذا الكلاب لم تنبح اذاً؟
قلت مناجياً نفسي, كما أنني لم أسمع صوت إمام الجامع الرخيم وهو ينادي لصلاة الفجر و من بعدها و لأولِ مرةً منذ زمنٍ بعيد لم أسمع صيحات الأطفال المرتفعة التي كانت توقظني باكراً كل يوم !
 حاولت النهوض  لكن ركبتيّ خذلتاني , حاولت الصراخ ليأتي من يساعدني لكن صرختي لم تكن سوى حشرجة أبت تخرج على الملأ!! بقيت مستلقياً في فراشي و شيئاً فشيئاً زالت الغشاوة عن عيني  وعلى مسافةٍ ليست ببعيدة ٍمني رأيتُ الأَطفالَ المشاغبين كانوا  مستلقين على ظهورهم و أعينهم مفتوحة تحدقُ بنظرةٍ جامدةٍ لا حياة فيها  في اتجاه عرش السماء فيما آثار زبد أصفر كثيف قد سال من أفواههم و أنوفهم الصغيرة!
 كانوا صامتين...... جميعاً !




فرمز حسين
ستوكهولم
2017-04-23
Stockholm-sham.blogspot.com

Twitter.com/FarmazHussein