السبت، 16 فبراير 2019

الكلب الضال


الكلب الضال

يلمار سودربيرغ
ترجمة: فرمز حسين
مات رجل و بعد موته، لم يعتن أحد بكلبه الأسود . الكلب حزن طويلاً و بمرارة. لكنه لم يدفن نفسه مع سيده في قبره، ربما لأنه لم يكن يعرف مكان القبر، ولربما أنه في الأساس كان لايزال كلباً صغيراً، و مرحاً. و يرى بأن أمامه الكثير في الحياة مما لم يفعله بعد؟
يوجد نوعان من الكلاب : كلاب لها مالك و كلاب ضالة . ظاهرياً ليست هناك اختلافات جوهرية، الكلب الضال قد يكون سميناً مثل بقية الكلاب و غالباً مايكون أكثر سمنة. لا الاختلاف يكون في أشياء أخرى. الإنسان بالنسبة للكلاب مصدر رعاية لاحدود لها، وهو كالإله بالنسبة لها. إنه سيد تطيعه و تتبعه و تثق به، هذا هو المعنى الحقيقي من حياة الكلب.
 طبعاً لايكون مالك الكلب شاغلاً جلّ تفكيره به في كل دقيقة من اليوم و مؤكد أن الكلب لا يتبعه خطوة بخطوة ، بل يركض  غالباً وحده و له أعمال تشغله ، فهو  يجري و يشمُّ متنقلاً من ركن منزل إلى آخر. يربط تواصله من خلال ذلك، من  بقعة إلى أخرى، و يحظى بعظمة ما، إذا سنحت له الفرصة.
 ثم ينشغل بها طويلاً، لكن في اللحظة التي يسمع فيها تصفيرصاحبه، فإن كل مشاغله الخاصة به  ككلب تطير من رأسه و يبدأ بالركض بسرعة أكبر من هروب التجار من المعبد حين يسمعون إشارة الإنذار،لأنه يعرف بأن تصفير صاحبه يعني أنه قد يكون محتاجاً لشي ءما، فينسى زوايا البيوت و ينسى عظمته و رفاقه و يسرع راكضاً نحو سيده.
الكلب الذي مات مالكه دون أن يعلم كيف؟، و دون أن يعرف أين دفن؟.حزن عليه كثيراً  لكن الأيام مضت و لم يحدث شي يذكره بمالكه، و بذلك نسي الشارع الذي كان سيده يسكنه، إذ لم يعد يتعرف على رائحته لاقتفاء أثره وحين كان مع أحد رفاقه و يتجولان على العشب، كان غالباً يسمع صفيراً يطلق في الهواء، و في اللحظة نفسها يغيب رفيقه كالريح. حينها كان يرفع أذنيه عالياً، و لكنه لم يكن يسمع تصفيراً  شبيهاً بتصفير مالكه،  و هكذا ينسى مرة أخرى و حتى أنه نسي أكثر من ذلك، نسي أنّه يوماً من الأيام كان له سيد .نسي أنه لم يكن يملك الوقت الكافي ليعرف أن بإمكانه العيش بدون مالك، و هكذا  أصبح، كما نستيطع أن نصفه بكلب شاهد أياماً أفضل بدون مالك، على الرغم من أنه بالمعنى الحقيقي كانت مرحلة نوعية  ظاهرياً، و جيدة مثل نوعية حياة أي كلب كان. يسرق طعاماً طيباً من حين إلى آخر في الساحة، و يعارك أحياناً، و لديه قصص حب، و يتمدد على مقعد ما، حين يكون متعباً، و أصبح لديه أصدقاء و كذلك أعداء. كان يوماً ما يضرب كلباً أضعف منه، و في يوم آخر يُضرَب من كلب أقوى منه.
في الصباحات الباكرة كان يشاهد و هو يركض في الشارع الذي كان صاحبه يسكن فيه، هناك كان لايزال بحكم العادة أكثر مكان يتواجد فيه وهناك يركض بسرعة وكأن لديه قضايا مستعجلة عليه تنفيذها، يشتم أحد الكلاب المارة من هناك و لكنه لا يعيره اهتماماً أكثر بعد ذلك، ولا يلحق به لمصاحبته، ثم يسرع بعض الشيء. يجلس بعدها قليلاً. يحك خلف أذنيه بحيوية مفرطة، واللحظة التالية. يركض عابراً الشارع ليطارد قطاً أحمر، في نافذة القبو، ثم بعدها يعود ليسير في الشارع،  حتى يختفي خلف منعطف الطريق.
هكذا مرّت أيامه و أمضى حياته  عاماً وراء آخر، ليهرم  دون أن ينتبه لذلك.
وفي ذات مساء غائم،  كان الطقس رطباً  و بارداً، و تتساقط بعض زخات المطر بين حين وآخر. الكلب العجوز كان قد وصل في تجوله حتى تخوم المدينة صعد ببطء الشارع و هو يعرج قليلاً. وقف مرتين، و هو يلحس فروته السوداء التي تحولت مع الأعوام الى رمادية اللون،  حول رأسه و عنقه. توقف، و هو يشتم من على يمنيه و على يساره، ثم التفت ليدخل بوابة بناء، و حين خرج كان كلباً آخر في صحبته،  بعد لحظة جاء كلب ثالث، كانا كلبين يافعين و يحبان الجري و المداعبة، و يريدان أن يلاعباه، لكنه كان في حالة سيئة وبالإضافة إلى ذلك، فقد بدأ المطر يهطل بغزار.ة حينها شق الهواء صوت صفير.  صفير طويل و قوي، الكلب العجوز نظر الى الكلبين الآخرين اليافعين، لكنهما لم يعيرا انتباهاً للتصفير . لم يكن تصفير مالك أي منهما، و بذلك فهما ليسا معنيين بالأمر. حينها رفع الكلب العجوز الضال  أذنيه  وأحس بشي غريب يصيبه. ثم سمع تصفيراً آخر و عندها بدأ الكلب العجوز بالركض في هذا الاتجاه حيناً، و في الاتجاه الآخر حيناً آخر، كان سيده هو الذي صفر وعليه أن يلحقه...!!!!

للمرة الثالثة سمع تصفيراً مديداً، بالطول و القوة نفسيهما، أين هو إذاً ؟ في أي اتجاه يكون؟  كيف انفصلت عن سيدي و متى حصل ذلك؟. في الأمس. قبل الأمس، أو ربما منذ لحظة؟ و كيف هي رائحته و أين هو؟ ركض يشتم كل من مرّ من  هناك و لكن لم يكن أحدً منهم مالكه، و لم يكن أحد يريد أن يصبح مالكه؟؟!
 حينها التف عائداً و ركض إلى زاوية الشارع. وقف هناك، و نظر حواليه في جميع الاتجاهات، لم يكن سيده في أي مكان هناك. حينها أقفل راجعاً  في الشارع نفسه بسرعة. القذراة كانت تغطي جسمه، و  قطرات المطر كانت تتساقط من فروته. توقف و هو ينظرحوله، لكن سيده لم يكن في أي من تلك الأماكن. عندها جلس عند تقاطع الشارع و مدّ رأسه المغطى بالفرو باتجاه السماء و أصبح ينبح.
هل رأيت أم سمعت عن هكذا كلبٍ ضال يرفع رقبته باتجاه السماء وينبح، ينبح نباحاً حزيناً؟ الكلبان الآخران ابتعدا بهدوء، و ذيالهما مطوياً بين أرجلهما. فهما لا يستطيعان مواساته أو مساعدته.


ترجمها عن السويدية: فرمز حسين
ستوكهولم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق