الأحد، 21 يوليو 2019

مواجهة الرعب و الذنب في أدب ستيغ داغرمان



مواجهة الرعب و الذنب في أدب
ستيغ داغرمان 1923-1954
سنوات الكتابة عند" داغرمان" لم تتعد الخمسة أعوام، لكنها كانت غزيرة الإنتاج لدرجة أنها كانت كافية لجعله من ألمع كتاب الأربعينيات، مشكلاً من خلالها علامة فارقة في الواقعية و الحداثة في الأدب السويدي. باكورة أعماله كانت مع رواية الأفعى 1945
 ، و نال داغرمان عبرها جائزة الأدب من صحيفة  سفنسكاداغبلات. و يصف داغرمان بنفسه أول عمل أدبي له هكذا:
الكاتب يجري بحثاً حول كيف أن  الرعب يؤثر على مجموعة من البشر في عنفهم، و كيف يتصرفون تحت ذلك الضغط، كل منهم حسب ظروفه. الفكرة التي يريد إثباتها في المقام الأول هي الاعتراف بالقلق البدائي، ذلك غير مسموح إنكاره. الحياة مع القلق هي الوسيلة الوحيدة التي تمنح المرء - في أقل تقدير- فرصة صغيرة لاختبار نفسه" انتهى الاقتباس"
 الرواية في جزأين، الأول منهما يدور حول إيرين و بيل.  إيرين تعاني من الشعور بالذنب، و تأنيب الضمير لأنها كانت قد دفعت بوالدتها من القطار، و ربما قتلتها. بيل الذي يتجول حاملاً معه أفعى، كان بدوره حاضراً في حفلة انتقم خلالها من فتاة، عبر رميها في بئر. أما الجزء الثاني من الرواية فتدور أحداثه في  أحد المخيمات العسكرية، إذ يطلق الأفعى  من دون أن يعلم أحد شيئاً عن مكانها، و بذلك يهجر النوم عيون الجنود نتيجة الذعر و القلق، لكنهم جميعهم يحاولون إخفاء رعبهم .
بعدها بعام تصدر له رواية جزيرة المحكومين 1946.قصة رعب يمر به سبعة أشخاص يصلون إلى جزيرة غير مأهولة، بعد أن تتحطم سفينتهم،  و هناك يضطرون لمواجهة بعضهم البعض بذنوبهم وخوفهم و قلقهم. مثلها مثل رواية الأفعى ثمة مواجهة مع عالم الذعر و الذنب، بعيداً عن الهرب من كل هذه التحديات، فالحرية في معرفة مكنونات النفس، و الاعتراف الذي لابد منه، بغض النظر عن الخسائر الروحية و الشخصية.
ثم  أصدر بعدها المجموعة القصصية ألعاب الليل 1947
التي تظهر السجل الأدبي المتنوع و الغني لداغرمان،  عبر سرد قضايا حياتية و اقعية و يومية، من خلال قصص رمزية عميقة، وبتأثر جليّ من فرانز كافكا وألبير كامو وبير لاغركفيست عبر تصويره لعالم سوداوي قاس يفتقر إلى التعاطف و المواساة بين البشر. في العام نفسه أصدر داغرمان كتاب: خريف ألماني 1947
 وهو يحتوي على مجموعة من التقارير الصحفية التي كتبها لصحيفة اكسبريسن، خلال سفره عبر الأراضي الألمانية التي طحنتها الحرب العالمية الثانية. داغرمان كان يسلط الضوء على  معاناة الشعب الألماني من ويلات الحرب و مآسيه من خلال تفاعل و تعاطف كانا مفتقدين في تلك الأيام.
رواية طفل محترق 1948
وتشكل الرواية أيضاً دراسة  بحثية في عمقها حول الذنب. الشاب بينكت شديد الحزن على فقدانه لوالدته، و معها يتحول الحزن بعدها إلى كراهية على والده الذي يجد لنفسه خليلة جديدة، و لا يبقى وفياً لذكرى والدته. لكنه نفسه يبدأ فيما بعد علاقة جنسية مع امرأة أبيه متناقضاً مع نفسه في مطالبة الأب بوفاء و نقاء  هو نفسه لم يستطع  الالتزام بهما. داغرمان كتب أيضاً  قصائد شعرية  و أعمال مسرحية منها مسرحية المحكوم بالإعدام 1947
آخر رواية لداغرمان متاعب عرس 1949
تجري أحداث الرواية كلها في يوم واحد، و في مزرعة صغيرة، في الريف، هو يوم الزفاف. حيث تصبح هيلدور ابنة أحد المزارعين عروساً للجزار فيستلوند الذي يكبرها بأعوام كثيرة،  و هكذا تبدأ الأحداث الدرامية للرواية: شخص غريب يطرق نافذة العروس و تأتيها رسالة من مجهول، و في الوقت نفسه يصل متسكع مريض غير مدعو إلى هناك، ثم تطفو الأسرار على السطح. الرواية تركز على سرد كل الأحداث و التفاصيل التي تجري في ليلة العرس.
جدير بالذكر أن أعمال داغرمان قد ترجمت إلى عشرات اللغات، و معظمها تحولت أيضاً إلى أفلام سينمائية.
ثلاثة قصائد شهيرة  ل- ستيغ داغرمان:

خريف
ما أسرع أن يصفرّ الاسفندان
الذي يضيء سيرنا في الحديقة
أن تموت هي سفرة صغيرة
من الغصن إلى اليابسة
كم رفيع شريط الشفق اللامع
الذي يعلن بوضوح قدوم النهار
صوت الترام يأتي في الضباب
و الهواء يغدو ثقيلاً على الاستنشاق
ما أسرع أن يصبح لون الخدين أبيض
قبلها بشفاه من ماء
انظر إلى طيور النورس ترسم بالحُوار
قصيدة في سماء الليل الحالك
كم تبقى أشجار الحور عالية
عارية بأخاديد سوداء
أن تموت هو ببساطة مثل تساقط
وريقة شجر في خضم نهر.

الأرض لا تستطيع إعادة خلقه
هدئ من روحك الهائج
فقط شيء وحيد تستطيع فعله
الخير لإنسان آخر
إنه حقاً كثير
أن تبتسم النجوم بنفسها
أن ينقص إنسان من بين الجياع
يعني زيادة أخ آخر

الهرب اختارنا
الطير يختار الهرب. نحن لم نختر ذلك
الهرب اختارنا. لذلك نحن هنا
أنتم من لم يختاروا بعد و لازلتم أحراراً
أعينونا على الهروب الثقيل الذي نحمل!
القيد اختار القدم. نحن اخترنا السير
الليل كان رحيماً .نحن الآن هنا
أنتم كثيرون جداً ربما يقول الحر الآمن
هل يمكن أن نصبح كثيرين جداً يعرفون معنى الحرية؟
لا أحد يختار الحاجة. نحن لم نختر ذلك.
الحاجة اختارتنا في طريقها. نحن الآن هنا.
أنتم من لم يختاروا بعد! نحن نعرف وزن الحرية.
أعينونا على حمل الحرية التي نحمل!
شعر : ستيغ داغرمان
ترجمة : فرمز حسين
ستوكهولم
2019-07-16










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق