السبت، 28 سبتمبر 2019

الأقوى


الأقوى
أوغست ستريندبيرغ
ترجمة: فرمز حسين

 السيدة × تقيم في جنيف  و تصدرهناك جريدة تسمى الولايات الأوربية المتحدة .فكرة اتحاد أوروبي فيدرالي هي من إرث القديس سيمونيس و نابليون الثالث الذي كان اشتراكياً قبل أن يصبح امبراطواً، وكانت فكرة الاتحاد الأوربي ضمن برنامجه. لكنه بعد ذلك تزوج من " ايوجيني ماريا مونتيجو" التي كانت أقوى منه و لذلك غيّر برنامجه.
السيدة × مازالت مصممة على تبني الفكرة لقد كانت متزوجة من قديس سيمونتسي مسن . ولم يثمر زواجهما عن أطفال. السيدة × كانت مثالية و كانت تعتقد بأن مزاولة الأعمال المنزلية يعتبر فعلاً دونياً يقلل من شأنها . الزوج أيضا كان مثقفاً و لكنه كان يعدّ الطعام و ينظّف البيت . و لم  يكن يشعر بأن ذلك عمل دوني يقلل من شأنه . لكنه أصبح مثار سخرية  لقيامه بالأعمال المنزلية التي تقوم بها المرأة عادة، و أيضاً لأنه كان يقوم بذلك بمفرده، لو أن زوجته شاركته في ذلك لما تحول إلى مدعاة للسخرية.
 الآن يقول البعض بأنه قد مات، و آخرون يدّعون بأنه مقيم في أمريكا، يبدو على أية حال بأن زواجهما لم يكن زواجاً كما ينبغي، و بالتأكيد لم يكن زواجاً كما ينبغي لأنهما لم ينجبا أطفالاً.
موضوع فيه فسحة واسعة من الحرية للتلاعب في تركيبة قصتهم الشبه معروفة و هو متاح أمام صحف الأحزاب جميعها وعبثاً حاولت الحصول على معلومات أكثر، لكنني لم أفلح في العثور على شيء.
هل قَبِل بالسخرية ؟  هل وجد نفسه في موقف غير قابل للاحتمال؟ أم أنها هي من كانت تحسّ بالمذلة من قبول خبزه المجاني؟ من يعلم ذلك؟
في جنازة "فيكتور هوغو" وقفت عربة وحيدة عند بوابة حديقة "بورت ميل " جاهزة للانضمام إلى الموكب. كانت عربة أجرة  ذات مظهر بسيط و بائس مثل تلك  التي يستقلها رجل مخمور أو مثل تلك التي ينقل بها مريض من عرض الشارع . في مقصورة السائق، كان قد وضع نصب عمودي عليه قطعة من قماش أسود مزينة بأكليل من أرز شجر التنوب و الورود و موضوع في منتصف بيت من الشِّعر مطرز على القماش و مأخوذ من قصيدة لفيكتور هوغو.
في العربة كانت تجلس سيدتان عجوزتان و رجل ، الرجل كان في المقعد الخلفي . المرأتان كانتا تحملان يافطة كبيرة قماشها يلوح في الهواء . كانت  لوحة مرسومة تمثل منظر سهل طبيعي وفيها رسوم ممثلين عن جميع شعوب الأرض. مادين أياديهم لبعضهم بعضاً على رقعة مخطوطة عليها بالذهب: الجمهورية الكونية، وفي أسفلها أيضاً بيت من شعر هوغو عن الجمهورية الكونية.
جميع المارين من هناك سواء أكانوا يرتدون قمصاناً أو معاطف ، مدنيين أو عسكريين، نساءاً أو رجالاً كانوا يقفون و كأنهم يؤدون واجباً إلزامياً عليهم و ذلك من خلال إلقاء نظرة ضاحكة على ذلك المنظر المدهش. و الذين لم يكونوا يريدون كانوا يفعلون ذلك مرغمين تفادياً للتشكك في ذكائهم و حفاظاً على سمعتهم.
لكن المرأتين كانتا تحملان الراية عالية، مع بعض التوضيحات بين الحين و الآخر ، بجدية  لكن بودية خالية من الغضب او العناد.
ألم يشاهدا الضحكات التهكمية؟ بلى ، و كل ما عدا ذلك غير معقول . لكنهما لم يكونا  ينتظران شيئاً آخر، و لذلك لم يتفاجأ و لم يغضبا.كانت لديهما شروط مثالية عن المستقبل و في الوقت نفسه لم يظهر منهما ذكر أية شروط أبداً. لكن الرجل في المقعد الخلفي شاهد و سمع تلك الضحكات  و لذلك تبرم و أشاح بوجهه كالمذنب كارهاً نفسه. لماذا كان جباناً هكذا؟
ذهب تفكيري للسيدة × . هل كانت هي ياترى من تحمل الراية و زوجها هو  الذي كان يخبئ نفسه ؟
و هكذا فكرت أيضاً في نابليون الثالث . تخيل لو أنه كان على قيد الحياة و شاهد أفكار شبابه الطوباوية مكتوبة على علم مرفوع في موكب جنازة كاتب نابليون الأصغر . و عندها كانت"ايغوني  ماريا ديمنتجو" سوف تنزل من جادتها "دي لاغراند ارمي" لتقابل السيدة × في العربة ،هذا لو كانت هي المرأة التي تحمل الراية  و كانت ستقول  لها: طاب نهارك،  أنتِ سرقت مني فكرة لودفيك ، أنتِ.
و كانت السيدة × ستجيب:
إنه لم يجرؤ على حمل تلك الفكرة... ذلك الجبان، لم يجرؤ على ذلك خوفاً منك، و لذلك أنا قمت بحملها. انظري إلى هذا الرجل المسكين الذي يجلس مرتجفاً على المقعد هناك. هؤلاء الأبطال ! أريد أن أقول،  هم يتحدثون عن الجنس الضعيف .
-لودفيك لم يقل شيئاً عن ذلك . كان يعرف بأنه من المفروض أن يكون ذلك مذكوراً في كتب التاريخ : ايغوني 1- 1853- 1870 بدل نابليون الثالث1852-1870.
- و مع ذلك لا يمنحوننا هؤلاء حق التصويت؟
- ولماذا حق التصويت عندما يكون معك حق الفيتو المطلق( النقض)؟
الإمبراطور نفسه كان أقل الناس شأناً في الإمبراطورية كلها و لم يكن لديه لا حق تصويت و لا حق فيتو. أنا على الأقل كان لدي ذلك.
- نعم لقد كان أمراً سيئاً و مؤسفاً أن يكون لك ذلك الحق حينها.
حسن أم سيء، رجلاً أم امرأة الأقوى هو الذي يقرر في نهاية الأمر.
- في الوقت الحاضر أنا الأقوى قالت السيدة × و هي تلوح بالعلم.
و الشرطة تصيح : الجمهورية الكونية إلى الأمام
و الجمهور الكوني يسير إلى الأمام في الطريق بين نادي التجديف و جميعة الغناء.
لكن الإمبراطورة لاتنادي . لأنها في "شيسل هورست" و تستقبل البونابرتيين استعداداً للامبراطورية الثالثة.  

أوغست ستريندبيرغ
1849-1912
أديب مسرحي سويدي، له أكثر من ستين عملاً مسرحياً، عشر روايات، وعشر مجموعات قصصية، بالإضافة إلى أنه كتب الشعر و أبدع في الرسم والتصوير، . النص أعلاه من مجموعته القصصية: "المتزوجون"  1884 . جدير بالذكر أن لستريندبيرغ مسرحية تحمل العنوان نفسه " الأقوى"1889


فرمز حسين
ستوكهولم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق