الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

الصفقة



الصفقة
قصة: أوغست ستريندبيرغ
ترجمة: فرمز حسين
لم يكن معلوماً فيما إذا كانت تحبه أم لا فهو الذي تقدم بطلب يدها  و هي وافقت على الزواج منه بسرور، لكن هو كان يحبها. أكان ذلك لجمالها أو خصالها الحميدة ، هفواتها الصغيرة أو سعة إدراكها فهو نفسه لم يكن يعرف ذلك حقاً ، كان يعرف بأنه يحبها فحسب. و هكذا بدأ بزياراته المسائية إلى  منزلها ، و هكذا بدأ بتدابير الاستعداد لحياة مشتركة معها من خلال الذهاب معاً إلى المسرح و الحفلات الموسيقية و اللقاءات العامة.
في إحدى الليالي حين تسنى لهما أخيراً إيجاد فسحة للجلوس على أريكة منزوية قليلاً و
روبرت هل تحبني؟
أي سؤال هذا!
إذاً أنت لاتغضب مني إذا طلبت منك شيئاً.
أغضب؟ أوف !
هل تعرف بأن لدي نقدية الزواج؟
لا، أجاب روبرت.
بلى ثم تابعت لدي مبلغ أربعة آلاف كرونة، نصفه في معمل "يوكموز" للدباببيس، و النصف الآخر في مناجم "بوبس" للزنك.
لا يهمني كل هذا قال روبرت  فأنا لم أرد الاقتران بك لأجل المال، لأنني لم أكن أعرف أصلاً أن لديك شيئاً منه.
هذا صحيح روبرت أنت كذلك لكن جميع الرجال ليسوا مثلك !
حسناً ما الذي تريدين الوصول اليه؟
 أنا أنتمي إلى جميعة حق المرأة في التملك و أريد أن أكون نموذجاً يحتذى به في العالم، و لذلك أريد أن نعقد اتفاقية بموجبها أبقى محتفظاً بما أمتلك ، فلا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث في قادم الأيام. ألا تريد أنت أيضاً أن تنتمي إلى الجمعية؟
لا عزيزتي أجاب روبرت لا أريد الانتماء، لأن الزواج الحقيقي يجب أن يكون مبنياً على حقوق وواجبات مشتركة . فاذا كان للمرأة المتزوجة حق الامتلاك المنفرد فيجب أن يكون للرجل المتزوج أيضا ذلك الحق. و هذا الأمر قد نصّ عليه القانون،  و لذلك هناك بند خاص يمكن الاتفاق عليه كتابياً إذا رغب أحد الزوجين في ذلك.
-و ماهذا البند ؟
-كان عليك أن تعرفي ذلك قبل الاسترسال في أفكارك و محاولة تشريع قانون خاص بك، نعم إنها فقرة قانونية صغيرة يتم من خلالها الاتفاق على أن يحتفظ كل طرف بما يملكه!
- لكنه حق المرأة المتزوجة في الامتلاك هو ما أريده!
-طبعاً ! أكيد ! و لكن في الوقت نفسه فهو حق الرجل المتزوج أيضاً في الامتلاك . إذا كنت تريدين ، فبإمكاننا الاتفاق على هذا النص القانوي الذي يضمن احتفاظ كل طرف بما يملك؟
-اممم مم ! لم افكر في ذلك  أبداً من قبل، أجابت !
لا ياعزيزتي علينا أن نفكر قليلاً قبل الشروع في أمر ما. أنا لدي ما أملك و أنت كذلك ومن خلال هذا النص القانوني يحتفظ كل طرف منا بما يملك! وهذا بالطبع هو الإجراء الصحيح؟ أليس كذلك؟
و هكذا تزوجا بعد التوقيع على نص حق احتفاظ كل طرف بما يملك. السيد روبرت  كان يشعر ببعض الامتعاض لأن خطيبته تحدثت عن المال و الربح و الخسارة فهو نفسه لم يكن أبداً يفكر في ذلك. لكنه مع ذلك كان سعيداً حين قاد سيارته برفقة زوجته الشابة إلى بيته.
مرت سنة و قدمت أخرى. أملاك روبرت كانت كبيرة على الزوجة و الأطفال، و لكنها لم تكن كافية لشراء بستان و أوتوموبيل.
في ذلك الحين و بعد حمى النفاس أضحت الزوجة طريحة الفراش و لم تكن تقوى على الخروج من البيت.
البارون في "روكلستا" كان لديه بستاناً و هناك كانت عادة زوجته البارونة تتنزه . السيد روبرت خطر له أن يقتني أيضاً بستاناً . و لم يكن لديه الإمكانات المادية الكافية لأن ذلك كان يكلف مبلغ ستة آلاف كرون. أي مايعادل إيرادات سنة كاملة من أملاكه. في النهاية كان عليه أن يفعل، لأن الطبيب كان قد أوصى بذلك. السيد روبرت لعن الحاكم الجديد في سره و كان يعني بأنه كان بإمكانه أن ينظم لهم رحلة إلى أفريقيا أو يمنحهم قصراً أوأن  يقدم لهم لوحة عليها رسوم المبشرين . كان يقول ذلك في صمت ، و كذلك انعكاسات ميزانية البيت التي لم تضف إليها شيئاً من ممتلكات الزوجة . لكنه كان يقول ذلك أيضاً  في صمت. هي حصلت على بستان و لكنه كلّف فقط ثلاثة آلاف كرونة. البستان على مايبدو لم يكن جيداً و الزوجة أصيبت في الخريف بمرض الشقيقة . و أكد الطبيب بأن هواء الريف لايناسبها و أن عليهم أن يسكنوا في المدينة خلال الشتاء.
ذلك كان صعباً لأن رعاية البيت كانت ضرورية في ذلك الوقت وإلا  ذهب كل شيء في مهبّ الريح. و كذلك لم يكن في مقدوره الاحتفاظ بمسكنه في المدينة إذ لم يكن لديه الامكانات المادية الكافية!
نعم لم يكن لديه الامكانيات المادية الكافية، و لكن كان من المفروض أن يكون لديها هي تلك الإمكانات التي تسمح لها بتقديم المال اللازم من مذخراتها!
آها ..هذا يعني أنه يريد أن يستولي على نقودها البائسة!
-لا.. لايريد ذلك . لم يرد أن تشتري هي له بستاناً ، ولا يريد أن تساعده للاحتفاظ بمسكنه في المدينة ، لكنه لم يكن يستطيع أن يفهم....
-ما الذي لم يستطع أن يفهم؟
-ليس مهماً ذلك!
-لا ..ذلك ليس مهماً ! إنه نقودها ما يريد!
-لا ... بل إنها هي من كانت تريد أن تصل إلى نقوده، و هو لم ير شيئاً من نقودها ، دون قصد منه فعل مثلما هي أرادت.
-آه ..ها ..هل يعني أنه أرادها أن تصرف عليه.
-لا البتة كان يظن فقط بأنهما سيتحملان معاً مصاريف البيت، و بذلك كان بإمكانها أيضاً التخلص من أعباء الشعور بأنها تعيش عالة عليه و ذلك ما كان يريد هو أيضاً . ربما كان كذلك! نعم بالتأكيد هو كذلك ! لقد كان على صواب ! سوف تكتب لوالدها و تطالبه بمالها، فعلاً كاتبته و بعد عدة رسائل متبادلة أخبرت والدها بأنها قد تزوجت من شخص تافه لا يستطيع الصرف عليها و على الأولاد و لكنه يريد تبديد مدخراتها. و أخيراً  قدم ثلاثة آلاف كرونة.
 أعمال المصانع لم تسر على مايرام و الأسهم انخفضت قيمتها، و لم يكن هناك إمكان توزيع كبير لعوائد الأسهم.
الآن يجب عليهم أن يسافروا إلى ستوكهولم ، لأنها هي من تصرف الآن . في الفترة الأخيرة لم يكن بإمكان  السيد روبرت تغطية المصاريف. لأن تكاليف الإقامة في الريف كانت تبلغ ستة آلاف كرونة و الذي كان من المفروض أن تساهم الزوجة بنصف المبلغ و لكنها لم تكن تفعل ذلك!
السنة التالية لم تأت أية عوائد لأن عمل المصانع لم يحقق أرباحاً تذكر.
الآن عليها أن تأكل خبز شخص آخر. ذلك مر، مر . هو نفسه لم يقل شيئاً أبداً ، لكنها هي لم تتوقف عن القول صباحاً ، ظهراً، مساءاً وهي كانت تغمس خبزها اليابس بدموع الذل. و لكن لاشيء يجف أسرع من الدموع و الزوجة أصبحت سعيدة مرة أخرى، و لم تحزن ذلك الحزن الكبير في العام الذي تلاه حين علمت بأن الشركتين أفلستا.
و هكذا سافروا الى ستوكهولم في الشتاء و هكذا غابت كل آثار الدموع.
في الربيع مرض السيد روبرت و مات . مات بوقت أسرع من ذلك الذي يفسح في خاتمة رواية. وهكذا جاء الحقوقيون لحصر التركة، و عندما قاموا بالحسابات بدقة توصلوا إلى أنه بسبب بند حق احتفاظ كل طرف بما يملك والذي كان الزوجان قد اتفقا عليه ، فليس هناك تركة يحق للزوجة أن ترثها و هكذا تم بيع البيت و الأثاث، و وضع  ثمن ذلك في خزينة الوصاية، و الزوجة عادت خاوية الوفاض مسافرة إلى أبيها مرة أخرى.
لكن الأب كان غاضباً جداً ! أفكار لعينة.. قال!
أعني أيتها الأرملة بأن هناك خطأ في تشريع القانون مع ذلك، هذا ماكنت أقوله دائماً !
لا ..لأن حق المرأة المتزوجة لوحدها في التملك أفضل بكثير .الذي تحدث عن نظرية التملك هذه كان يعني بأن حق الرجل في التملك كان أفضل بكثير من حقوق المرأة ، و لأن الذي اقترح ذلك  كان رجلاً، فلم يكن لذلك أية أهمية.


أوغست ستريندبيرغ أديب مسرحي سويدي، له أكثر من ستين عملاً مسرحياً، عشر روايات، وعشر مجموعات قصصية، بالإضافة إلى بعض الأعمال في مجال الرسم والتصوير. النص أعلاه من مجموعته القصصية: "المتزوجون" 1884


فرمز حسين

كاتب و مترجم سوري
ستوكهولم
2019-09-16
















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق