السبت، 12 يناير 2013

مصنع الرجال قصة قصيرة




مصنع الرجال


قصة قصيرة

بقلم: فرمز حسين

كان علوان واقفا في أسفل الجبل الشاهق حين أشار الى أعداد هائلة من الشبان موزعين على مساحات شاسعة في تلك البقعة السهلة من المنطقة الجبلية ..

انظر قالها ملوحا بيده اليمنى مرات متتالية ,محاولا جذب انتباه والده وإخراجه من قلقه..

انظر ردد مرة أخرى .. أنا مثل هؤلاء جميعا .

جاءت زيارة والده اليه بعد وصوله من ثكنة السوق الأولى بأيام قليلة.

 اختلطت عليه  الأمور حين عاد .

 على ركبتيك

امسك بأذنيك ..

 ازحف .. أمره الضابط الغر ..

الأرضية كانت مكتسية بحصى خشنة , حادة كالسكاكين .. عند التباطؤ كان السوط ينهال على ظهره فترسل آلاما شديدة تنفذ لعروقه الدموية بضغط قوي يكاد يحس بها تخرج متفجرة من أنفه .. ركلات قوية على مؤخرته فيسقط عائما على وجهه .. يغصب فيما بعد على معاودة الزحف من جديد ..

هنا مصنع الرجال .. صرخ الضابط ..

ركلة ,سقطة , تجريد من كبرياء لن يعود , كرامة لن تسترجع..




ألبسة,دخان مهرب, ألا تعلم بأنك تضر بالاقتصاد الوطني.

 سمع بعض الهمس والوشوشة ثم أردف أحدهم قائلا لقد تحدثنا مع من ذكرت , عندئذ بدأ علوان ينظر اليهم وابتسامة مفعمة بالثقة والتباهي طغت على ملامحه , لقد أبلغنا أنه للتو قد قدم بلاغا عن سرقة سيارته العسكرية وبطاقة بحث عنك.

تذكر عودته الى الثكنة مطرودا بعد شراء قائمة طويلة من المستلزمات المنزلية من زوجة معلمه لأنه أبدى عدم ارتياحه للبقاء معها في المنزل.

علوان الابن البكر في عائلة قوامها ستة أطفال ,أربعة  فتيات وشقيق واحد , كان أملا تترقبه العائلة , حين أنهى أعوام

دراسته لبى نداء الوطن. الصباح الباكر من ذلك اليوم الطويل من بداية فصل الخريف التي غطت زوابع من غبار خانق المدينة الصغيرة , تحول الى حدث تاريخي نحت في ذاكرته ولم تغادره يوما واحدا بل ولا لحظة واحدة.



 أجمل لحظة كانت تلك التي يخلو بها بنفسه مطلقا العنان لخياله الجامح, محلقا بعيدا عن أجواء السجن الكئيبة المليئة بالفظاظة, الخشونة, الرعونة , الكلمات البذيئة و المبتذلة, الى عالم ملؤه السحر, الفتنة, الجمال, الرقة ..

الى أحضان  حبيبة الفؤاد .. يرتوي من الحنان ,اللطف ..مستعيضا وحشة الظرف وقفرة المكان.

 كان قد التقى بها فقط مدة شهر واحد قبل أن يشدّ أمتعته للحاق بالخدمة, جالسا في صحبة بعض الأصدقاء , مرّت بالقرب منهم , لمح جانبا من وجه ملائكي, أحس بقوة عارمة تجذبه إليها نهض من مكانه ,سارع بخطاه لكي يراها وتراه. التفتت اليه فالتقت أعينهما لثواني , رمقته بنظرة سحرية بريئة ,  بقي مصعوقا,مبهورا بإشعاعات النور المسترسل من محياها وشعور النشوة من تلقي نظراتها.حضورها البهي ملأ سوق المدينة بنبض الحياة . تبعها بحركة لا ارادية وكأنه متأثر بتنويم مغناطيسي فاقد القدرة على التحكم بسلوكه , نسي كل شيء اخر,سار خلفها , مقتفيا خطاها وسط الزحام ..اقترب منها أكثر .. اشتم عبق رائحتها العطرة , أحسّ بضربات قلبها تخفق بسرعة واضطراب ,اقترب أكثر..فأكثر حتى بدأ يحس بدفء ملامسة ناعمة تهزّ كيانه , همس في أذنها كم أنت جميلة , رائعة , ملاك , نظرت اليه باستحياء وهي تحاول اخفاء ابتسامة كادت تفضحها.

 اضطرت على الرضوخ لرغبة الأهل والقبول بالزواج من أحد المتقدمين اليها. كان هذا اخر خبر ترده عنها.

 رقعة المكان  كانت لا تزيد عن عشرة أمتار تزاحم فيها أكثر من ثلاثين شخصا حين دفعه الشرطي الى داخل الزنزانة.






 2013-01-12

 فرمز حسين

 مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم


Stockholm-sham.blogspot.com          

Twitter@farmazhussein 










الأحد، 6 يناير 2013

ايجابية خطاب الأسد الأخير لقوى المعارضة


ايجابية خطاب الأسد

الأخير لقوى المعارضة


فرمز حسين

استهل الأسد خطابه المشئوم متحدثا عن مأساوية الوضع في البلاد وقسوة المعاناة التي ألمّت بالسوريين  باديا تأثره البليغ بكل ما يجري, كأن ما يحصل يتحمل وزرها الاخرون أما هو فلا يتحمل ولو جزءا يسيرا من المسؤولية الأخلاقية أو القانونية بل أمعن في اعطاء نفسه صفة المناضل المدافع عن الشعب ووصف شبيحته بالأبطال المضحّين بكل شيء في سبيل الوطن, متناسيا قصف قواته الآثمة للمدنيين الأبرياء في الرستن, داريا, حلفايا , حمص ,حماة وغيرها من المدن والبلدات السورية الأبية.

 الاستمرار في سياسة تجاهل الشعب والابتعاد عن الواقع المؤلم على الأرض, تحريف أسباب الانتفاضة الشعبية الحقيقية, نعت الثائرين ضده بحفنة من المجرمين والقتلة ,من المفروض أن يشكل حافزا قويا للمعارضة  المسلحة والسياسية للاتحاد والتكاتف في مواجهة هذا النهج وهذا السلوك الديكتاتوري الذي يأبى أن يحيد الأسد عنه. الخطاب الغير منسجم مع الواقع المرير والذي لم يحتوي على أي بريق أمل بالتوصل الى حل يحقن عن طريقه دماء السوريين بل يشير الى المزيد من القتل  من المفروض أن  يوحّد أطياف الشعب السوري عامة في سبيل الحفاظ على لحمتهم الوطنية التي يسعى النظام جاهدا الى تفتيتها. النظام يستمر في وصم الثوار بالمأجورين ساعيا بدأب الى ضرب أطياف المجتمع السوري بعضه ببعض وما تمجيد الأسد في خطابه  لقوات لجان الحماية الشعبية الكردية في مدينة سري- كانيه الكردية المعربة الى رأس العين الا محاولة يائسة جديدة لزرع أسباب الشقاق بين الكرد والعرب و اضعاف الحس الوطني.


خطر التقسيم في سورية ان وجد لن يأتي الا من خلال تعنت نظامه واستمراره في حربه الدموي ضد أبناء الشعب السوري الرافض لحكمه و اتّباعه سياسة انتقامية بغيضة  لكسر الارادة الحرة لدى أبناء الوطن . النظام وحده هو الذي يتحمل أية بوادر لتقطيع الأوصال في الوطن السوري وتمزيق نسيجه المتعدد الألوان فهو يمارس سياسة التطهير العرقي بغية التمهيد للاحتماء في مناطق خاصة لشبيحته . اتهام الأسد القوى الاقليمية والدولية بالسعي لتقسيم سورية اتهاما ليس باطلا فحسب بل مخالفا للواقع اذ لا مصالح للدول الاقليمية الفاعلة مثل مصر, السعودية ولا حتى تركية في أي تقسيم لسورية, ان كانت هناك مصلحة اقليمية فهي لإيران بغية استمرار نفوذها عبر عراق (المالكي) الى سورية من خلال المنطقة الموالية لها ومن ثم الى ايران الصغيرة في لبنان ( حزب الله). دوليا لن تستفيد من التقسيم سوى روسيّا التي تحلم باستمرار نفوذها في المنطقة عن طريق استمرار حكم البعث وذلك  لمعرفة حكامها الأكيدة بعدم التمكن من الحصول على امتيازات في سورية الجديدة.

عامان من الألم , العذاب والمعاناة فاقت خلالهما تعداد اللاجئين والنازحين السوريين أخوتهم الفلسطينيين في الشتات ومازال الأسد يتشدق بالدفاع عن القضية الفلسطينية وبأن العدو الرئيس هو اسرائيل في الوقت الذي أفرغ جبهة الجولان من جنودها ليوجهوا مدافعهم صوب بوابات دمشق.

مبادرة الحل السلمي والحوار الوطني ليست موجهة الى المعارضة التي تقاوم أو ترفض الظلم بل موجهة الى المعارضة التي يختاره النظام والمتمثلة بالمعارضة الوطنية التقدمية التي حلت محل الجبهة الوطنية التقدمية سابقا.

على الدول التي تقدم الدعم والسلاح للمعارضة أن توقف امداداتها لكي تتمكن قوات الأسد من دحرهم بسهولة, بذلك يتمكن من ترسيخ أواصر حكمه من جديد.

لم ينسى الرئيس المغوار الذي لا يعتمد على قوى الخارج بأن يشكر كل من روسيّا ,الصين وإيران على دعمهم اللامحدود لنظامه والذي يعدّ أهم أسباب استمراريته في قتل السوريين وتدمير ممتلكاتهم.

بعد كل هذا القتل وهذه الدماء التي أريقت وبعد كل هذا الصمت والاختفاء يظهر الأسد في خطابه الأجوف مؤكدا انفصامه عن الواقع و افتقاره الى أية خطة للخروج من النفق المظلم والمحنة العصيبة التي تعصف بالسوريين.

على ما يبدو مرض الديكتاتورية واحد أينما كان في ليبيا,رومانيا, صربية, الخ.  الطغاة لا يرون ولا يسمعون الا وجوه وأصوات المصفقين لهم, تلك هي الحقيقة التي لا يمكن تغييرها وقد أثبتت تاريخيا, كما أن نهايتهم كذلك واحدة لا يمكن أيضا تغييرها .





ستوكهولم 2013-01-06



فرمز حسين

 مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم


Stockholm-sham.blogspot.com          

Twitter@farmazhussein