الأحد، 11 سبتمبر 2016

سوريون كورد أم كورد سوريون؟




سوريون كورد أم كورد سوريون؟


تناول مؤخراً  الكثير من المثقفين السوريين الشأن الكوردي  و هذا الأمر في حد ذاته يعتبر تطوراً ايجابياً بغض النظر عن رؤية كل منهم إلى الى المسألة الكوردية الشائكة في سورية و سبل حلها!
 فترة الخمسون عاماً من حقبة النظام الاستبدادي البعثي كانت كفيلة بفرض ثقافة العنصرية على الجميع و مجرد مناقشة مسألة التعددية هو أمر جديد على السوريين العرب و كل أمر مخالف  لذلك كان يعتبر حتى زمن قريب جداً هو ضرباً من التآمر الامبريالي الصهيوني لتقسيم و تفتيت البلاد و النيل من صموده و تصديه.
 ظهور هذا الاهتمام و لو أنه لايزال اهتماماً خجولاً و ربما يعود الفضل الأول فيه إلى دور حزب الاتحاد الديمقراطي وتحديداً جناحه العسكري , حيث في سورية  لا يسمع صوت لأحد ما لم يكن مترافقا مع صوت البندقية يمكن أن يشكل أساساً لبناء حوار مثمر يتم من خلاله تقارب وجهات النظر و في المحصلة القبول بالتعددية و القبول بالآخر كشريك في وطن واحد وليس كأقلية تابعة .
يبدأ غالبية هؤلاء المثقفين بالاسهاب في الحديث عن تضامنهم مع هذا المكون السوري  المظلوم و الذي تعرض للاضطهاد على مدى سنوات بشكل فاق ذلك الاضطهاد الذي كان يشمل معظم السوريين حسب تعبيرهم و ينطلقون بشكل عام من مبدأ أن الكورد هم سوريون أولاً ما يحتم عليهم بالضرورة التحلي بمسؤولية انتماؤهم الوطني  و التفكير قبل كل شي ضمن هذا الاطار  و من ثم تأتي المسائل الجزئية بتفاصيلها كحقهم في استخدام لغتهم وممارسة تقاليدهم في الغناء و الرقص و الاحتفال بمناسباتهم العامة ضمن هذا النسيج السوري البديع و المتماسك ! و في ظل قانون دستوري يضمن  حقوق المواطنة المتساوية للجميع!!
 لا يقبل المنطق أن يطلب طرفاً  من الآخر الالتزام بالوطنية و هو نفسه متشبث بانتماءه العرقي قبل الوطني . دعونا ننظر إلى الأمور من وجهة نظر محايدة أي لا عربية و لا كوردية:
 هل من الانصاف اتهام  الاكراد بالانفصالية و أنت تتمسك بعروبة سورية أرضاً و شعباً و تفرض لغتك العربية كلغة رسمية وحيدة في البلاد؟
هل من العدل في شيء أن تتبنى فكر الانتماء لوطن عربي كبير و تؤكد على الامتداد الاثني العربي في سورية  لباقي أجزاءه و تحرم هذا الحق على الكردي أن يعتبر الأجزاء الأخرى من كوردستان امتدادا و عمقا اثنياً له؟
هل هي مواطنة متساوية أن يتمتع العرب بكامل الحقوق الجماعية بينما على الآخرين أن يكتفوا بحقوق المواطنة الفردية المتساوية!؟
هناك سمة مشتركة تجمع مابين طروحات مثقفينا العرب السوريين  ألا وهي سمة التهرب المقصود قدر الامكان  من الحديث عن البدايات التاريخية لتشكيل حدود  الدولة السورية الحالية و من كان وراء هذه الخريطة التي سميت بالجمهورية السورية بداية و من ثم الجمهورية العربية السورية على الرغم  من أنه تاريخ قريب بالكاد يتجاوز المائة عام بين الفرنسيين و الانكليز.
 لاشك أن التركيبة السكانية في المناطق الكوردية السورية أكثر إشكالية مما هي عليها في الأجزاء الأخرى من كوردستان و قد ساهمت جملة  المراسيم و الاجراءات العنصرية  الهادفة الى  التغيير الديموغرافي إلى المزيد من  التعقيد و ذلك من خلال مصادرة الأراضي و تطبيق مشروع الحزام العربي و والغاء حقوق التملك العقاري و تغيير أسماء الأماكن و البشر و ورسم برامج سياسية مدروسة بعناية لتجويع الناس و العمل باصرار على فرض التبعية الاقتصادية التي بدورها شكلت أهم عوامل اللجوء إلى الهجرة داخلياً إلى المدن الكبرى و خارجياً إلى كافة أرجاء المعمورة.
كل ما ذكر آنفاً هو ارث لا يمكن بأي حال من الأحوال للسوريين تجاهله و لا يمكن انكاره و يبقى السؤال الذي يفرض نفسه بقوة   هو:
 متى يتوصل السوريون إلى مرحلة من النضج  كفيلة باذلال كل المصاعب التي خلفها النظام الشمولي و يكون في مقدورهم اصلاح ما أفسده حكم البعث على مدى خمسة عقود وذلك من خلال هدم الأساس المتهالك  و بناء دولة سورية الجديدة على أسس سليمة؟

من الطبيعي أن الشعوب هي من ترسم حدودها برغبتها و هذا ما لم يفعله السوريون بل رسمت لهم من الخارج و هم بداخلها دون ان يكون لهم رأي بالقبول أو الرفض! من نافلة القول أن سورية لن تعود على ما كانت عليه قبل انطلاقة الثورة المخطوفة عملياً و المراد وأدها , وهذا ما يضعنا كسوريين أمام اختيارين لا ثالث لهما:
- أن نكون جميعاً مواطنون  بحقوق جماعية و فردية متساوية في دولة متعددة الاثنيات و المذاهب .
-أو أن نلغي انتماءاتنا الاثنية و نتمسك بالهوية الوطنية السورية الجامعة  كمظلة تحمينا جميعاً و هذا يتطلب من كافة الأطراف التخلي عن النزعة القومية الشوفينية. حينها فقط يمكن أن نقول نحن سوريون كورد أو سوريون عرب و ليس العكس!

فرمز حسين
ستوكهولم
2016-09-11
twitter.com/FarmazHussein
stockholm-sham.blogspot.com