الاثنين، 27 فبراير 2012

التقرير الأخير الذي أرسلته  الصحافية ماري كولفين الى صيحفة الصندي تايمز البريطانية
نشر في صيحفة الداغنز نيهيتر السويدية بتاريخ 26 شباط 2012
ترجمة : فرمز حسين
ماري كولفين 1956-2012

صحافية أمريكية الولادة

عملت لمدة 20 عاما في صحيفة صندي تايمز البريطانية

حصلت على العديد من الجوائز.

غطت بتقاريرها الصحفية معظم المناطق التي نشبت فيها حروب:

سيراليون,البلقان, الشيشان, تيمور الشرقية,الشرق الأوسط

فقدت إحدى عينيها في كمين أثناء تغطيتها لأحداث الحرب الأهلية في سريلانكا.

قتلت في مدينة حمص حي باب عمرو جراء القصف

 على المدينة من قبل القوات السورية الحكومية.








             

نعيش في هلع من حدوث مجزرة

يسمى القبو بملجأ الأرامل, فيها تكدس النساء والأطفال جنبا إلى جنب مع بعض الأسرة المؤقتة وبعض الأمتعة مبعثرة هنا وهناك. يجلسون متكورين على أنفسهم، بقلوب مليئة بالخوف مسجونين في مدينة الرعب حمص المدينة  التي ترزح تحت قصف وحشي لارحمة فيه.

واحدة من هؤلاء 300 شخص القابعين في معمل الخشب ,ذلك المكان الواقع في حي باب عمرو هي:  (نور) ذات العشرين سنة فقدت زوجها  اثناء القصف بقذائف الهاون من قبل الجيش الحكومي.

كانت القذائف الصاروخية قد أصابت بيتنا ولذلك كنا 17 شخصا في غرفة واحدة, تقول نور بينما ابنتها ميمي 3 سنوات وابنها محمد 5 سنوات يتشبثون بأطراف عباءتها (الحجاب الكامل).

لم يكن لدينا شيئا من الطعام سوى الماء والسكر لمدة يومين بلياليها ,فخرج زوجي بحثا عن بعض الطعام لنا. كانت تلك هي المرة الأخيرة التي ترى فيها نور زوجها  مزيد 30 عاما الذي كان يعمل في محل لصيانة الهواتف الخلوية.

تقطع جسده إلى أشلاء من الشظايا.  بالنسبة لنور كانت المأساة مزدوجة حيث قتل أخاها عدنان 27 سنة في نفس المكان مع مزيد.

الجميع في هذا الملجأ لهم قصص مماثلة من المعاناة والموت . اختاروا هذا القبو لأنه من الملاجئ القليلة في باب عمرو.

فرش الإسفنج ممددة بمحاذاة الجدران والأطفال لم يروا ضوء النهار منذ بداية الحصار في 4 شباط. أغلب العائلات هربوا من منازلهم بالملابس التي كانت على أجسادهم.

المواد الغذائية  نفذت تقريبا من المدينة, كل ماتبقى هو الرز والشاي  وبعض معلبات  الكونسروة من السمك أحضرها أحد رجال الدين من مخلفات إحدى محلات السمانة التي تعرضت للقصف.

إحدى الأطفال الخدج التي ولدت الأسبوع الماضي , بدت  على سماتها هلع شبيه بتلك التي على وجه والدتها فاطمة ذي ال19 سنة .التي هربت من منزلها المكون من طابق واحد ,والتي تساوى مع الأرض من جراء القصف العشوائي. لقد نجونا بمعجزة تقول بنبرة خافتة. فاطمة مذعورة من هول الصدمة, لدرجة أنها لم تعد قادرة على أن ترضع طفلها, فالطفل يعيش فقط على الماء والسكر.

فاطمة ربما تكون أرملة وربما لا. زوجها يعمل راعيا وقد كان في الريف عندما بدا الحصار بحاجز عنيف من النيران.

ومن حينها لم تسمع عنه أي خبر.

ملجأ الأرامل ذلك يعكس المآل والمصير الصعب ل28000 شخصا نساء أ,طفالا ,ورجالا يتشبثون بالحياة في باب عمرو. الحي المؤلف من بيوتا إسمنتية منخفضة والمحاصر من جميع أطرافها من القوات العسكرية السورية.

الجيش يقصفهم بصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون والدبابات. في الوقت الذي يتمركز القناصة على سطح بناء جامعة البعث وعلى الأسطح الأخرى العالية التي تحيط ب باب عمرو.

يطلقون النار على كل مدني يصبح في مرمى قناصتهم. في الأيام الأولى من الحصار سقط الكثير من الأهالي قتلى برصاصهم. الآن أصبحوا يعرفون مكان تواجد القناصة ,ويركضون من الأماكن التي  قد يكونون فيها عرضة للقنص.

الآثار ظاهرة في كل بناية, قذائف الدبابات قد اخترقت جدران الاسمنت المسلح ونفذت إلى داخلها. أو قذائف الهاون قد أحدثت فجوات كبيرة في الأجزاء العلوية من المنازل. في بعض الشوارع هناك العديد من البنايات التي هدمت تهديما كاملا. كل ما يستطيع المرء رؤيته هي قطع من الملابس المهترئة وبقايا موبيليا محطمة.

أنها مدينة البرد والجوع لايسمع فيها سوى صدى القنابل  وطلقات البنادق , لايوجد هواتف , والكهرباء قد تم قطعها عن المدينة, القليل من المنازل لديها الوقود  للمدافئ التي هم بأمس الحاجة إليها ,في واحدة من أشد الشتاءات بردا على الإطلاق.

الأمطار المتجمدة تملئ حفر الشوارع ,والثلج يدخل النافذة التي لم يعد عليها أي زجاج. لاتوجد محلات مفتوحة .

العائلات تتقاسم مالديها مع الجيران والأقارب. الكثيرون من الذين قتلوا هم من  الذين خرجوا للبحث عن الطعام لعائلاتهم.

الجيش يحاول بكل مأوتي من وحشية أن يسحق المقاومة في حمص, حماة ,والمدن الأخرى التي انتفضت ضد حكم

الرئيس السوري بشار الأسد. العائلة التي حكمت سورية لمدة 42 سنة.

في باب عمرو هناك الجيش السوري الحر والذي يمثل المعارضة المسلحة. يحظى بتأييد شعبي شبه كامل بين السكان المدنيين. كما يعتبرهم السكان حماة لهم.
لكنها معركة غير متكافئة, دبابات الأسد والأسلحة الثقيلة في مواجهة الجيش السوري الحر, الذي يقاتل ببنادق الكلاشينكوف.

مايقارب 5000 جندي يتواجدون في أطراف باب عمرو. والجيش السوري الحر ينتظر الهجوم الأرضي . نخاف أن يترك الجيش السوري الحر المدينة تقول حميدة 43 سنة , التي تختبئ مع أطفالها وعائلة أختها في شقة مهجورة .بعد أن تم قصف منزلها. سوف تحدث مجزرة.

السؤال الذي على ألسنة الجميع: لماذا تخلى العالم عنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

عبد المجيد الذي ساعد الجرحى بالخروج من المنازل التي تعرضت للقصف , جاء بنداء وطلب بسيط: من فضلك اخبري

العالم بأن عليهم أن يساعدونا, قالها بأعين مترقبة. أوقفوا القصف رجاءا, أوقفوا إطلاق النار.

أهالي المدينة يعيشون في رعب حقيقي. تقريبا كل عائلة قد أصابها فاجعة فقدان أحد من أفرادها قتيلا أو جريحا.

خالد أبو صلاح , ناشط شارك في أوائل التظاهرات ضد الأسد في آذار العام الماضي , كان جالسا على الأرض في إحدى المكاتب بيد مكسورة وملفوفة  بالضماد, وجروح الشظايا في قدميه و كتفيه. خالد طالب جامعي عمره 25 سنة, خاطر بحياته عندما قام بتصوير الفيديو عن المذابح والانتهاكات التي حدثت بأهالي باب عمرو.

أصيب خالد حين كان يساعد اثنين من الجرحى لنقلهم إلى عيادة مؤقتة ,التي يعمل  فيها طبيب وطبيب أسنان, هو وثلاثة من رفاقه.عندما كنا نهم بالخروج سقطت قذيفة على المكان  , أدت إلى مقتل رفاقي الثلاثة على الفور, والشخصين الآخرين أيضا.

أبو عمار 48 سنة سائق سيارة ,خرج في الصباح الباكر ليأتي ببعض الخبز الأسبوع الفائت,  هو وزوجته وابنته بالتبني كانوا قد لجئوا إلى منزل شقيقتين مسنتين  وذلك بعد أن تعرض بيتهم للقصف.

يقول: عندما رجعت كان البيت قد تحول إلى حطام . لم يتبقى منه  الا جدار واحد لم يسقط. من بين الأنقاض ظهر شالا نسائيا احمر اللون وبعض علب كونسروة الخضار التي لم تتحطم لسبب ما!

دكتور علي, طبيب أسنان يمارس عمل الطبيب البشري قال: لقد وصلت إحدى هؤلاء النسوة إلى هنا ,أي المشفى الميداني وكانت قد فقدت قدميها الاثنتين , ولكنها فارقت الحياة.

علي بدأ بقص اللباس عن العريني على سرير العمليات ,في المشفى الميداني.الشظايا كانت قد قطعت أجزاء كبيرة من فخذ ه. نزف الدم الغزير عندما أخرج علي إحدى الشظايا بملقط معدني من تحت عينه اليسرى. حرك العريني رجليه ثم فارق الحياة على الطاولة.صهره الذي كان يرافقه أجهش بالبكاء. لقد كنا نلعب الورق (الشدة) عندما سقطت قذيفة على البيت, قالها وعيناه تغرق بالدموع. أخذوا  العريني إلى مستودع مؤقت للجثث. في مكان كان سابقا غرفة نوم.
عاري الجسم موضوعا في كيس بلاستيكي عليه فقط الأحرف الأولى من اسمه.

لايوجد نهاية لهذا الوضع.

خالد أبو كمالي فارق الحياة قبل أن يلحق الطبيب بنزع ملابسه عنه. كان قد أصيب بشظية قنبلة .عندما كان في بيته.

صلاح 26 سنة اخترق صدره قضيب  من أثر القصف. لم يتوفر مادة تخدير لكنه بقي يتكلم بينما أدخل علي أنبوبا معدنيا في ظهره لكي يخفف من الضغط الناتج عن الدم المتراكم في صدره.

أم عمار 45 سنة أم لسبعة أطفال كانت موجودة للمساعدة بتضميد الجراح لقد قدمت بنفسها لكي تساعد في التمريض

بعد أن تعرض منزل جيرانها للقصف, كانت تلبس في يديها قفازات بلاستيكية متسخة تبكي وتقول ماذا علي أن افعل ؟

 أنا ملزمة بهذا الشئ لأن الشباب الذين يجلبونهم إلى هنا هم كلهم أبنائي.

أحمد محمد طبيب عسكري انشق عن قوات جيش الأسد, يقول مناديا : أين حقوق الإنسان ؟؟ هل يوجد ذلك؟؟

أين الأمم المتحدة؟؟؟

كان يوجد فقط سريرين للمعالجة في العيادة على إحداها كان احمد خالد مستلقيا قال بأنه قد أصيب عندما سقطت قنبلة

على الجامع بينما  كان يؤدي فريضة الصلاة. لقد اضطروا إلى استئصال الجزء الأيمن من خصيتيه باستعمال باراسيتامول  فقط

كمسكن للآلام, وأدان ادعاءات نظام الأسد بان الثوار هم من المتطرفين الإسلاميين!

قال: نحن نناشد كل البشر الذين يؤمنون بالله مسلمين , مسيحيين  ويهود أن يساعدونا.....

إذا أراد الجرحى مغادرة باب عمرو ,فيجب أن يتم حملهم وبعدئذ يمكن نقلهم بالدراجات النارية, والذين يحالفهم الحظ يتم تهريبهم إلى مكان اّمن.

الجرحى الذين إصاباتهم بليغة لايمكن القيام بتهريبهم.

مع أن السلطات السورية لاتسمح لأحد بالمغادرة الا أن البعض قد توفق بدفع الرشوة.

مريم 32 عاما المتزوجة حديثا قرروا أن يهربوا حين سمعوا بأن ثلاثة عائلات قد قتلوا وامرأة تم اغتصابها من قبل ميليشيات الشبيحة المعروفة بوحشيتها والتابعة لشقيق الأسد   -ماهر- حيث أعطت مريم خاتم زواجها لأحد المسئولين

لكي تتمكن الخروج من باب عمرو.

إذا اقتحم الجيش السوري الحكومي باب عمرو فلن يكون للجيش السوري الحر أية فرصة للصمود في مواجهة الدبابات.

سوف يستبسلون في القتال على الرغم من عدم التكافؤ ,دفاعا عن أهلهم, فهم على دراية بوقوع مجزرة في حال الهزيمة.

يقول: أبو سعيد 46 سنة ضابط برتبة رائد منشق عن الجيش الحكومي منذ 6 أشهر. يقول : لقد تم وضع عنصر من المخابرات في كل وحدة عسكرية . وهم من جهاز الأمن المخيف ,ولديهم الصلاحيات بإعدام كل من يرفض الانصياع لأوامر إطلاق النار أو يشك بتفكيرهم في الفرار.

الوضع حتى الآن والى أمد غير معلوم يبدوا قاتما مميتا,  فالجيش الحر ليس له أمل في النصر وذخيرتهم بدأت تنفذ.

الأمل الحقيقي الوحيد في النجاح للذين يقاومون الأسد هو أن يقوم المجتمع الدولي بمساعدتهم, مثل الناتو وما فعله ضد القذافي في ليبيا. حتى الآن لايبدو أن ذلك سيحدث في سورية.

في الوقت التي تتذبذب فيها الدبلوماسية الدولية, يزداد اليأس في باب عمرو.

حميدة 30 عاما تختبئ مع أختها وأطفالهم ال13 في قبو , بعد أن سقط قذيفتين هاون على منزلهم . ثلاثة بنات صغار بين

16 شهرا وستة سنوات, ينامون على فرشة أسفنجية رقيقة ومتهرئة ممددة على الأرض. وثلاثة آخرون اشتركوا بفرشة أخرى .

أحمد ابن شقيقتها ذي ال16 ربيعا قتل من ضربة قذيفة صاروخية, عندما خرج بحثا عن بعض الخبز.

الأطفال يبكون طوال الوقت , وانأ أحس بأني عاجزة عن فعل أي شي, نحس بأننا متروكين لا أحد يهتم لحالنا.

لقد أعطوا بشار الضوء الأخضر لقتلنا  !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!



عن صيحفة داغنز نيهيتر السويدية 26 شباط 2012
ترجمة: فرمز حسين
ستوكهولم 

   






السبت، 25 فبراير 2012









كيف نساعد  السوريين

كاتب المقالة : هوغو ديكسون

صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية العدد الصادر في 2012-02-20

ترجمة : فرمز حسين


عندما بدأت الثورة السورية , الناشطين تقريبا الجميع مارسوا الاحتجاجات السلمية ونبذوا العنف ورفضوا التدخل الخارجي. الآن وبعد مضي مايقارب السنة, تغيرت هيئة الثورة وسماتها. هناك احتجاجات, مقاطعات و إضرابات ومسيرات التشييع.لكن إستراتيجية المعارضة الرئيسية لإسقاط نظام بشار الأسد هي أن تصبح أقوى منه عسكريا. ولبلوغ مثل هذا الهدف, يطلبون ا لمساعدات الخارجية وهذا المطلب سيكون في سياق البحث خلال اجتماع أصدقاء سورية .

أن تغير المعارضة من إستراتيجيتها أمر مفهوم . لكنه أيضا مدعاة للأسف. القتل الذي لاينتهي والتعذيب قد أخذ يترك أثاره. حمص ,حماة, وبعض المدن السورية الأخرى تم قصفها من قبل قوات الأسد بطريقة وحشية شبيهة بالقرون الوسطى من فظاعتها.

لقد شاهد الناس التدخل العسكري في ليبيا, وكيف أن تلك القوة  (الناتو) قلبت الموازين لصالح الثوار, وساعدت  اللبيبين على التخلص من العقيد معمر ألقذافي. 

نظام الأسد ربما استسغى حقيقة تبني المعارضة  الكفاح المسلح, لان ذلك يؤدي إلى المزيد من التماسك داخل دائرة السلطة, وتشبث العلويين الذين يشكلون 10%من السكان, ومثلهم بعض الأقليات, المسيحيين مثلا بالنظام, ويصبح لدى النظام الذريعة للضرب بيد من حديد على المعارضين.

سوف يقوم النظام بارتكاب المجازر. ماذا بعد ؟ لقد نجحوا  بذلك في الماضي. الأسد الأب استطاع القضاء على التمرد في مدينة حماة منذ ثلاثين سنة بعد أن قتل مايقارب  20000 شخص.

الكفاح الغير مسلح قد أثبت بأنه يحظى بفرصة مضاعفة في النجاح وإسقاط الديكتاتوريات مقارنة مع الكفاح المسلح.

هذا طبقا للدراسات التي أجريت عن الفترة الممتدة من القرن العشرين وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين.

/ لماذا المقاومة المدنية تنجح/ عن : ايريكا جينيويث, وماريا ستيفان. ومن بين الأسباب العديدة لنجاحها: أن الموالين للنظام يشعرون بتهديد أقل من الاحتجاجات السلمية ومن السهولة بمكان أن يغيروا مواقفهم وينضموا إلى الاحتجاجات السلمية,

التي يمكن حشد الملايين من الناس في صفوفها على طريقة غاندي: العصيان المدني بدل العمليات العسكرية.

إزاحة  الدكتاتور عسكريا أيضا ناجحة بعض الأحيان, جيينويث وستيفان وجدوا ذلك من خلال دراستهم.

خاصة عندما يتم ذلك بمساعدة من قوى خارجية.

المشكلة هي أن المذابح وأعداد الضحايا أكبر بكثير في الكفاح المسلح مقارنة مع الكفاح السلمي.

أيضا في الكفاح المسلح تنخفض فرصة الانتقال إلى نظام ديمقراطي سلمي في مرحلة مابعد سقوط الديكتاتورية.

كذلك التورط مع القوى الخارجية التي تساعد في إنجاح الثورة العسكرية , التي قد تطالب بعدئذ بالرقص على أنغام ربابتهم (أجندتهم).

مثل هذا التورط هي ما نشاهده ويحدث على الساحة السورية الآن.

النزاع ينزلق باضطراد نحو حرب طائفية أهلية, تؤلب فيها الغالبية المسلمة السنية من الشعب, ضد الأقلية العلوية التي هي فرع من  الإسلام الشيعة.

بنظرة سريعة الى الخريطة نرى سهولة زعزعة الاستقرار في هذه المنطقة المتقلبة .

تركيا ودول الخليج  مسلمين سنة وهذه الانتهاكات الوحشية تنفذ بحق من ينتمون إلى طائفتهم.

إيران شيعة ,والعراق التابع الأصغر في الامتداد الشيعي لايريدون لرجلهم  في سوريا أن يسقط.

الغرب قلق من نتيجة  الصراع وتأثيرها على كل من إسرائيل وإيران. كما أنها تكن بعض التعاطف مع الشعب

السوري الشجاع الذي يتعرض للذبح.

في الطرف المغاير, هناك روسيا التي لا تحبذ فكرة الإطاحة بالحكام المستبدين, في الوقت التي تعاني هي نفسها من نظام مهتز في الداخل. هذه  الأمور ستقوم مجموعة أصدقاء سورية بمناقشتها . هناك الكثير من الأفكار على الطاولة كلها مشحونة بالمخاطر.

إحدى  الآراء المطروحة من الفرنسيين هي إقامة ممرات إنسانية آمنة التي من خلالها يمكن إيصال المساعدات إلى المناطق الملتهبة. المعضلة هنا أن مثل هذه الممرات ستحتاج إلى قوة عسكرية ضخمة لحمايتها.

خيار آخر: هو الحظر الجوي من جهة الحدود التركية حيث يتمكن اللاجئين والجيش الحر من التجمع هناك, ويكون بالتالي

قاعدة للهجمات المضادة على الأسد. على غرار مافعله الثوار الليبيون باستخدامهم بنغازي ضد القذافي. أيضا هنا يجب على القوات الأجنبية القيام بعملية الحظر الجوي.

الدول الغربية التي حديثا انتهت من عهدتها في العراق, تبدوا غير راغبة في القيام بتدخل عسكري.

هناك أيضا عقدة روسيا والصين الذين أكدوا على تصميمهم باستخدام حق الفيتو على أي قرار أممي يشرعن التدخل العسكري في سورية, عن طريق مجلس الأمن في الأمم المتحدة.

دول الخليج الغنية بقيادة قطر والسعودية ليس لديها التخوف , لكنهم ليسوا في موقع يمكنهم من إنزال قوات عسكرية تضاهي قوات الأسد. الدعم الرئيسي من طرفهم سيكون بتقديم المال للمعارضة السورية لشراء السلاح.

ربما إذا دخل سلاح متقدم وبحجم ضخم قد يؤدي بالنهاية إلى إسقاط الأسد.لكن حمام الدم سيكون فظيعا,

وقد تترك سورية في أيادي العصابات الإسلامية المتطرفة, كما كان الحال في أفغانستان عندما قرر الغرب تسليح المجاهدين كرد على الاحتلال الروسي عام 1979 .

الخيار الأقل سوءا هو أن يعود الثائرين إلى الكفاح السلمي( اللاعنفي). ودعمهم من الخارج بمزيد من العقوبات الاقتصادية

على أمل أن تتفتت المجموعة الموالية للأسد من حوله وبالتالي يصبح من السهل إزاحته من السلطة. بلاشك سوف يستمر قتل الشعب السوري. لكن عدد الضحايا ربما يكون أقل إذا ركزوا على تكتيكات مثل الإضرابات ,المقاطعات, بدلا من المظاهرات التي تجعلهم فريسة سهلة المنال لقوات النظام.

المنشقين من الجيش يمكنهم أيضا القيام بأعمال أخرى بدل الهجوم المسلح على النظام.  يستطيعون الانتشار ومحاولة حث وتشجيع المزيد من الجنود على الانشقاق.

مثل هذه العودة إلى الكفاح السلمي من الصعوبة منالها. النزاعات التي تحولت إلى الكفاح المسلح نادرا ما تعود إلى النضال السلمي.

ربما الأكثر شهرة من بين تلك الحركات ,كانت معركة الكفاح ضد الفصل العنصري (جنوب أفريقيا). لكن التغيير في استراتجيتها استغرقت عقودا من الزمن.

مع ذلك يبقى الخيار الآخر (العسكري) لسورية وللمنطقة  هي كالشبح المروع.



كاتب المقالة : هوغو ديكسون

صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية  العدد الصادر في  2012-02-20

ترجمة : فرمز حسين

ستوكهولم

                                                                                                                           




الجمعة، 24 فبراير 2012



التهديد والوعيد في الغرب لايردع الأسد

الأخبار الأكثر تاثيرا على  على الجماهير ,هي الأنباء التي تأتي من أماكن ,هناك أناس تستطيع أن تقارنهم بنفسك .ويسمى مبدأ القرب من الحدث. تسونا مي  الذي ضرب  جنوب شرق آسية عام 2004 , لما اخذ ذلك الحيز الضخم في الاعلام السويدي, لولا وجود أكثر من 500 مواطنا سويديا هناك من بين الضحايا. منذ أن تم القبض على يوهان برسون ومارتين شيبي الصحافيين السويديين في أثيوبية مثلا , تضاعفت التقارير الإخبارية في الصحف السويدية عن العنف  والأساليب القسرية التي تمارس  في محافظة اوغادن.

عندما  قتل الصحافية الأمريكية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي اوشليك  نتيجة القصف على مدينة حمص, أحدث ذلك استقطابا اعلاميا وتسليطا للاضواء في يوم واحد , أقوى مما فعله مقتل أكثر من 600 انسان مدني سوري, خلال مايقارب ثلاثة أسابيع من قصف وحصارللمدينة.
هذا  ربما يبدوا ليس بالانصاف في نقل الأحداث . بالطبع دون الانتقاص من الشجاعة والمهنية العالية التي اتسمت بها الصحافية
كولفين أو المصور أوشليك
المقابلة الأخيرة أجرتها  BBC  مع كولفين أذيعت مع مقاطع مصورة .أظهرت مدنيين مصابين في باب عمرو , مدينة حمص. كانوا يتلقون العلاج في عيادة ميدانية التي هم عبارة عن شقق تم تحويلهم الى عيادات , لاستقبال الجرحى .
ماري كولفين تتساءل: كيف يسمح العالم الخارجي بهذا الشئ الذي يحدث هنا ؟ ألم نأخذ العبرة من  سريبنيتسا ؟ وتذكرنا ماري
بالمجازر التي حصلت في البوسنة 1995 ,عندما قتل صرب البوسنة أكثر من 8000  شخصا من الرجال والصبيان ,بدون أن تتدخل قوات الأمم المتحدة ,التي كانت موجودة على الأرض هناك.
المجازر في سريبنتسا أدت إلى تدخل قوات الناتو وأوقفت استمرار القتل وأجبرت الأطراف المتناحرة إلى طاولة المفاوضات.
هل يصبح مقتل كولفين و اوشليك جرس الإنذار, الذي يحرك العالم الخارجي, للتدخل بوقف المجازر في سورية , ومنع خطر الحرب الأهلية المحدق بالسوريين.

الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوسي اعتبر الهجوم على الصحافيين  عملية اغتيال. وطلب تنحي الرئيس السوري عن السلطة.
وزير الخارجية البريطاني دعا حكومات العالم إلى بذل أضعافا مضاعفة من الجهود لوقف نظام الأسد.
لكن مساعي ومحاولات الغرب ونداءتها, لم تلقى أذانا صاغية عند روسيا أو الصين ,البلدين اللذين ألقيا الفيتو في مجلس الأمن . بذلك أوقفوا إمكانية القيام بأي اجراء أممي مشترك ,لوقف نزيف الدم نتيجة العنف المفرط من  النظام السوري.

اذا أردنا أن نسمع كلمة مواساة لطيفة من روسيا والصين , بحق كولفين أو أوشليك علينا أن ننتظر  طويلا وبدون جدوى.حكام الصين وروسيا لم يكونوا في يوم من الأيام من عشاق الصحافيين المستقلين الشجعان.
أن تقوم الولايات  المتحدة على الرغم من معارضة الروس  , بعمل عسكري دولي على سوريا,مثل البوسنة 1995 , وكوسوفو 1999 وليبيا 2011 . من الصعب توقع ذلك. واشنطن لديها الكثير من الارهاصات.  فهي منهمكة باعادة ترتيب امورها , بعد العراق وافغانستان ووالتي مازالت تعاني من أثار تدخلها العسكري فيهما ,
والتي كبدت الخزانة الامريكية خسائر جسيمة ودون فوائد مرجوة.
كما ان التدخل في ليبيا لايعد من النجاحات  أيضا ,نظرا لما حقق الإسلاميين من تقدم ساحق في المنطقة.
يضاف إلى هذا , التوتر الخطير القائم بين إيران وإسرائيل . التي أصبحت الولايات المتحدة من دون  مشيئتها في الواقع
مندرجة في نزاع إقليمي قد يتفجر بقوة.

كاتب المقالة ايريك اولسون
صحافي سويدي في جريدة داغنز نيهيتر
صحيفة داغنزنيهيترالسويدية اليومية 2012-02-23

ترجمة: فرمز حسين

الثلاثاء، 21 فبراير 2012


الولد سر أبيه


                                                                                                                                                              
قوانين حماة
أن نشاهد الجيش السوري, وهو يقصف مدينة حمص السورية, للقضاء على الثائرين ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
هي عملية إعادة لفيلم سينمائي سيئ جدا,  بطلها والد بشار, حافظ الأسد,   مثل هذا الشهر  (شباط)  يكون قد انقضى ثلاثين سنة بالضبط.  أعرف ذلك ، لقد رأيت النسخة الأصلية.

لقد كان شهر نيسان عام 1982 م وكنت قد وصلت لتوي إلى بيروت, كمراسل صحفي عن جريدة نيويورك تايمز. سرعان ما سمعت قصصا مروعة, عن تمرد كان قد حصل خلال شهر شباط في مدينة حماة السورية, بقيادة جماعة الإخوان المسلمين السورية. الوصف كان بالكلام حيث لم يكن هناك حينئذ (انترنت أو هواتف محمولة).  حافظ الأسد كان قد سحق الثائرين بقصف جميع أحياء حماة.  بعد القصف  عمل على أن يفجر الأبنية بالديناميت لكي تتهدم وتتساوى مع الأرض,  قسم  منها كان مازال البعض من سكانها بداخلها.                                                                         
هذا ماد فعني إلى الحصول على تأشيرة دخول إلى سورية.  كان ذلك متزامنا مع إعادة فتح الطرق إلى مدينة حماة.   النظام السوري كان يشجع السوريين على العبور من حماة. لكي يشاهدوا المدينة المقهورة ويأخذوا العبرة منها.
فما كان مني الا أن استقلت سيارة أجرة ومضيت إلى هناك.    لقد كان ذلك شيئا مذهلا, رقع الأرض التي كانت الأبنية مشادة
عليها, تم تحويلها باحتراف إلى حدائق عامة,  كل منها في مساحة ملعب كرة قدم. لوأنك ركلت التراب بقدميك لظهرت قطعة من الألبسة أو كتاب مهترئ أو فردة حذاء. منظمة العفو الدولية قدرت عدد الضحايا الذين قتلوا حينئذ بحوالي 20000 شخص. لم أشاهد قط في حياتي كلها وحشية بهذا الحجم.  وفي كتاب كتبته فيما بعد أعطيته عنوانا باسم ( قوانين حماة).

قوانين حماة هي أن لاقوا نين البتة.هي أن تفعل كل مايستوجب فعله, للبقاء على كرسي السلطة. ليس فقط أن تهزم أعداؤك, بل يجب أن تنسفهم في عقر دارهم, ومن ثم تسحقهم ,بحيث أولادهم وأولاد أولادهم  لن ينسوا ذلك ابدآ,  ولاحتى أن يكون  لديهم المقدرة  بأن يحلموا في تحدي مشيئتك مرة أخرى.

حسنا ثلاثون سنة انقضت.  أولاد هؤلاء الأطفال السوريين قد نسوا ولقد تخلصوا من خوفهم. هذه المرة من كل حدب وصوب. نعم ليس فقط الإخوان المسلمين يثورون في مدينة واحدة فقط. الآن أنهم الشباب من كل أنحاء سورية.



نافتجي ضيلون, و طارق يوسف, يعملان محررين  في ( جيل في الانتظار) , عن الوعود الغير مكتملة للشباب في الشرق الأوسط يقولان: بأن أعداد الشباب بين سن 15 وحتى 29 في الشرق الأوسط قد ارتفع من 67 مليونا عام 1990 إلى  مئة مليون  شخص . الكثير من الوعود التي وعدتها حكوماتهم عن منح الفرص المؤدية إلى العمل والزواج , توفير السكن , و بأن يكون لهم دور وصوت في صياغة مستقبلهم.  كل هذا لم يتحقق ,وهذا مأدى إلى تفجر هذه   الثورات البركانية.

لكن سورية ليست النرويج . ومطلب الديمقراطية , ليست المسرحية الوحيدة التي تلعب على الخشبة. هناك في سورية أيضا تجمعات قبلية  بشكل كبير ,وسورية بلد يحتوي على انقسامات طائفية شتى . أقلية الشيعة العلويين بقيادة الأسد . وتسيطر على الحكومة , الجيش,  والأجهزة الأمنية .  العرب السوريين السنة  الذين يشكلون الأغلبية العظمى ,الكرد المسيحيين  , الدروز .

عندما بدأت الاحتجاجات في سورية بدأت بلا عنصرية ,لاطائفية, لاعنف . جاءت تعبيرا عن رغبة الشباب السوريين أن يعاملوا كمواطنين ذو حقوق وكرامة.  فما كان من الأسد الا أن  واجههم  بقوانين حماة, ماأدى ذلك لاحقا إلى اللجؤء للعنف المضاد كنتيجة.

هذا الشئ عزز المخاوف الطائفية لدى جميع الأطراف.  الآن من الصعب  أن نقول أين مطالب الثورة الديمقراطية تتوقف. وأين المطالب الطائفية تبدأ.

الرغبة الفجة عند الأغلبية السنية السورية بإسقاط حكم الأقلية العلوية قد بدأت تنضج. لهذا نجد اغلب العلويين يهرعون لنجدة الأسد. كذلك بعض السنة المنتفعين من السلطة. خاصة في حلب ودمشق.

هؤلاء العلويين المواليين للسلطة, والسنة يرون الفوضى  والشغب في مصر. و يناجون أنفسهم :  الأسد ام الفوضى؟
عندئذ الأسد, هو الخيار .  ماذا نفعل؟  نريد انتقالا سلميا للسلطة . من الأسد , من الحكم الفردي, إلى حكم أكثر تعددية سياسية . لانريد حرب أهلية في سورية.  التي من شانها أن تهدد استقرار المنطقة بالكامل.

تذكر بأن مصر تفجرت داخليا, ليبيا تفجرت داخليا, وتونس تفجرت داخليا, في سورية سوف يكون انفجارها داخليا و خارجيا !

لاأعرف ماالذي يعد كافيا لإقناع الأسد  بالتخلي عن السلطة لحكومة وطنية موحدة.  لكني أعرف ماهو الضروري عمله: عليه أن  يخسر العاملان  الداعمان  لنظامه : العامل الأول  الصين وروسيا وإيران . على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الإسلامية و العربية , أن تمارس المزيد من الضغوط على موسكو وبكين وإيران.  من اجل وقف دعمها قتل الأسد للمدنين العزل من شعبه. روسيا قد لاتهتم لرأي الولايات المتحدة ولكنها ستهتم لمواقف الأمم الأخرى.

أما العامل  الثاني:  يستطيع السوريين فقط القيام به  , الا وهو انقسام المعارضة السورية الذي مازال قائما . على السوريين إيجاد السبل الكفيلة بتوحيد صفوفهم .  وكذلك من الأهمية بمكان التوصل إلى العلويين والمسيحيين والتجار السنة, والعمل على طمأنتهم بان مصالحهم ستكون محفوظة في سورية الجديدة, لكي يتخلوا عن الأسد. بدون العمل على تحقيق هذا الاشياء , لن يكون  هناك أية فائدة من كل ماجرى .

بقدر ما تتحد وتنتظم كافة المكونات السورية في الاحتجاجات  وتوضح للسوريين وأيضا للعالم بأنهم بصدد إقامة سورية جديدة, تعددية.  فيها يعامل الجميع كمواطنين متساويين , بقدر ما يصبح الأسد أضعف .  وبقدر ما يظهر بأن  سورية مابعد الأسد ستكون دولة لديها الفرصة للاستقرار, وستكون جديرة بتحقيق  مستلزمات العيش اللائق للمواطن السوري.

كلما بقيت المعارضة السورية على انقسامها, كلما اشتدت شوكة الأسد, و تشبث به البعض من السوريين خوفا من الفوضى والمجهول, وكلما هو أيضا نجا  بنفسه باللجوء إلى تطبيق قوانين حماة                                              









كاتب المقالة توماس فريدمان كاتب وصحافي امريكي
حائز على جائزة بوليتزر ثلاث مرات
كتب العديد من الكتب الاكثر مبيعا
ترجمة فرمز حسين 

عن صحيفة انترناشيونال هيرالد تريبيون الامريكية