الأحد، 26 يوليو 2015

صحوة الذئب التركي



صحوة الذئب التركي

مع اختراق الطيران الحربي التركي للأجواء السورية و العراقية يكون الذئب التركي قد استيقظ من غيبوبته السياسية بعد أن استشعر الأتراك عقم علاقتهم مع تنظيم الدولة الارهابي للقيام نيابة عنهم بمحاربة العمال الكردستاني, الحزب الذي وقع  اختيار نظام البعث  عليه عبر فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي  كشريك أساس , ذلك الاختيار الذي لم يكن محض صدفة بل لاعتقاد النظام السوري بأن الحزب المذكور يعمل وفق أجندات محددة متجهة إلى الداخل التركي, نفس الدافع الذي شجع الأسد الأب لدعمه و تأمين معسكرات تدريب لعناصره في الثمانينات من القرن الماضي في منطقة البقاع اللبنانية الخاضعة حينها لدمشق. القيادة التركية اكتشفت أيضا أن تلك السياسة أعطت نتيجة معاكسة لتوقعاتهم , الاستمرار في تحدي حلفائهم في الناتو, عدم التعاون معهم للقضاء على تنظيم الدولة في سبيل اضعاف الحركة الكردية الموالية لحزب العمال الكردستاني قد أكسب الحزب المذكور المزيد من التعاطف الدولي مع قضيته على حساب علاقات الأتراك مع العالم الخارجي عموما و الغربي خصوصا كمحصلة لسياسة حكومة العدالة و التنمية الخاطئة هذا بالإضافة إلى اتساع شعبيته داخل كردستان التركية الأمر الذي سهّل على الحزب تعبئة المزيد من الشبان و الشابات في صفوفه و مضاعفة أعداد مناصريه سياسيا حيث تمكن من خلال دعمه لحزب الشعوب الديمقراطي جناحه السياسي في الحصول على نسبة الأصوات التي أهّلت دخوله البرلمان التركي.

من وجهة نظر تركية فان تعاظم دور منظومة العمال الكردستاني  على حدودها الجنوبية يهدد بلا شك أمنها القومي الأمر الذي فرض على الحكومة التركية تغيير نهجها مؤخرا عبر التحول من التدخل الغير مباشر من خلال تنظيم الدولة الإرهابي إلى التدخل المباشر.
في ظل هذا التحول في الموقف التركي  على الحزب الكردي السعي بدوره لإيجاد استراتيجية تتسم ببعد النظر و ذلك بعد حقبة من التأقلم مع الظروف و السير وفق تكتيك الاستفادة من التحولات السياسية  والنزاعات الاقليمية بين الدول التي تتقاسم جغرافية كردستان .  الأتراك سوف لن يدّخروا جهدا في سبيل تقويض الادارة الذاتية للمقاطعات الكردية الثلاث لإجهاض نشوء كيان كردي تابع للعمال الكردستاني عبر مسمياته المختلفة في حال سقوط حكومة دمشق المتهالكة.
كرديا الكرة في ملعب العمال الكردستاني لاتخاذ قرار مصيري فإما أن يكون فعلا كما اعتقد الأسد الأب و الابن بأنه حزب يعمل وفق أجندات لا علاقة لها بالداخل السوري و متوجهة فقط نحو الداخل التركي وما الادارة الذاتية اليوم إلا فرصة مؤقتة  للطرفين: النظام حيث تفرغ بقواته في محاولة لسحق المناهضين له في المناطق الأخرى من خلال تفويض أمر المناطق الكردية للعمال الكردستاني عبر فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي للعمل بالنيابة عنه مقابل بسط نفوذ الأخير على حساب القوى السياسية الكردية الأخرى و استغلاله الظروف المتاحة لتقوية مركزه كحزب شمولي على مختلف الأصعدة السياسية, الاقتصادية و العسكرية أم أنه سوف يثبت عكس ذلك أي أنه يخدم قضية الكرد كشعب لدرجة أن يسمح للأطراف السياسية المخالفة معه فكريا بتحمل مسؤولياتهم الوطنية و القومية بما فيها السماح لقوات البيشمركة التابعة  للمجلس الوطني الكردي التي تلقت تدريباتها العسكرية في اقليم كردستان العراق بالمشاركة في الدفاع و الادارة.
ليس من المستبعد أن تنجح تركيا في اقناع الأمريكان و الغرب إن لم تكن قد فعلت في الأيام الأخيرة بضرورة اطلاق يدها في المناطق  الكردية السورية مقابل تعاونها التام مع قوى التحالف للقضاء على داعش و كما هو معروف فان مصالح الأمن القومي للدول العظمى هي الأهم  نظرا للدور المحوري الذي يمكن أن تقوم بها الحكومة التركية العضو في حلف الشمال الأطلسي  .
حينها يكون الأكراد السوريون أول الضحايا و آخر المستفيدين من التغييرات التي ستطرأ على المنطقة و سيفقد حزب العمال الكردستاني  حاضنته الشعبية بينهم نظرا لإصراره المستمر في التفرد بالسلطة.

فرمز حسين
ستوكهولم
2015-07-26
Stockholm-sham.blogspot.com
                      Twitter@farmazhussein

الأحد، 5 يوليو 2015

في عُهدَةِ الأَقْزامْ




في عُهدَةِ الأَقْزامْ

قصة قصيرة

 جَلسَ على التلَّةِ القَريبة و هو يُعَاين بَلْدَته و يَستَعيدُ مَعَها ذكرياتهُ حَيثُ كَانَتْ أفواهٌ كثيرةٌ تَنتظرُ كالعادة مَواسِمَ الخَير.
 حينَ يحْلُّ مَوعِدَ الحصاد..
 تنضج السنابل ..
 تَنحني بِرؤوسِهَا حتى تَكادُ أنّ تَلْمُسَ الأَرضْ.
 سَيِّدَ الوَطنْ ومَعَهُ عليَّة القوم كانوا يَقيمونَ  مَوائِدَهُمْ الضَخْمَة حَول الحُقول..
 يَمرحونْ ..
يَحتفلونْ..
يأكلونَ حتى التُخْمة...
 يَحْتَسونَ كؤوساً عديدةً نَخَبَ تميٍّزهم عَنِ الرَعيّة..
يُدخّنونَ لَفافاتً غليظةً من تَبغِ السَعادة ..
 ينفثونَ عُبابها في الهَواءِ الطَلْقْ ثُمَّ يَرمونَ بأعقابها و يَمتطونَ آلياتهمْ التي تُصدِرُ هَديراً قوياً ...
 يُغادرونَ المكانْ مُفَعَّمِينَ بنَشوةِ النَصرْ ... محمَّلِين بالغِلال ... تاركين الحَقْلَ بما تبقّى مِنَ المَحْصول لعامة البَشَرْ إلّا في تلكَ السنةِ التي هَطلتْ فيها أمطارٌ كثيفةٌ و نَمتْ الثِمارُ في الرَبيعْ و تأمَّلَ خلق الله الخَيرَ الوفيرِ مِنْها مَعَ دُنُّوِ أوان القِطافْ... في تلك السنة تَركَ سيّد الوطن كلَّ شيء  في عُهدةِ أقزام  بِلُحَىً طَليقة يَسيرونْ باتجاه معاكس للريح, مخلِّفينَ زَوابِعا شَديدةً مِنَ الغُبار مِنْ خَلفِهمْ  لِتُعَكِّر صَفَاءَ الجو و تُلَّوِثُ نَقَاءَ الفَضَاءْ.

في تلك السنة و حينَ رَحلوا ....
دَعَا كَبيرَ الأَقزام صُحْبَهُ للاجْتِماعْ ...
 أَقزامَ العالم من كلِّ حَدْبٍ و صَوبْ حَضروا...
القَزْم الكَبيرْ لَبِسَ عَباءة أميرَ القَومْ, أشارَ إليهمْ بإيماءة سريعة إيذاناً بِجَمعِ ما تبقَّى من الغِلالْ.
 في مكانْ الحَفلْ قاموا بلَمْلَمَةِ نفايات تَبغْ العَظَمَة ....أشعلوها من جَديد... تنشَّقوا ملئ رئتيهم أنفاساً عميقةً مِنْ دُخَانِها حَتى أتوا على آخرِها تَبادلوا نَظراتً مليئةً بالخُبثْ ...رموا أعقابَ سَجَائِرهمْ في الحَقلْ ...غادروا المكانْ فيما ألسنةُ النيرانِ تَلْتَهِمُ بَقايا الزَرعِ الهَشْ...تَسيرُ بِسُرعة في الهَشيمْ و يرتفعُ اللهيبُ في السماءِ مِنْ وِرائِهمْ مُخلّفاً سُحُباً داكنةً من دخان أسود تلبَّدتْ في السماءِ القَريبِ و حَجَبَتْ النًورَ عَنْ تِلكَ البُقعةِ مِنَ الأرض إلى أجل غير مُسَمَّى .


... تَبَّاً ...قالها بامتعاض و احساس عميق بالمَرارة  سَيطَر عَليهْ ...لَيْسَ با الأمْرِ السَهْلِ أَنْ تكون إنساناً.
حَتَّى تَعبَ ملائِكة الخير استولوا عليهِ هَؤُلاءِ الأوغادْ و نَصَبوا أَنْفُسَهُمْ وكلاء للإِله, أَحسَّ بالشفقةِ على ذَلكَ المَلاكِ الذي كانَ يَسْمَعُ بِهِ منذُ نُعومةِ أظافرهِ بأنَّه يُحلِّقُ في عَلياءِ السماءِ حاملاً بيمينه سَوطاً طويلاً مِنَ النُور , يقترب ُمِنَ  الغُيوم الداكنة ,يرفعها  في الهواء ثُمَّ يهوي بِها على ظهرِ كُتَلِ السُحبِ الضَخْمة بضَرَبات قَوية موجعة, مُحدِثَةً صوتَ رعد يَصمّ الآذان, ثُمَّ يُعيدُ الكَرةَ فترتعدُ فَرائِسُ الغُيوم و تَصرخُ مذعنةً استسلامها وعجزها  على المتابعة فتبدأُ بالانكماشْ, تعتصرْ, تَتَحَوَّلُ إلى أمطار كثيفة ..تَهطلُ بشدة على الأرض الظمآنة التي تستقبلها بِشَغَفْ ...تَملئ تَصَدُعاتها بالمياه فتَلتئمُ نُدوبَها و تَعودُ شُروخها التي تكاثَرَتْ تَحتَ وَطأةِ الجفاف إلى الالتحام ويَدْبُّ فيها الانْتِعاشْ ...لتَنْبُتَ فيما بَعْدْ الثِماْر فَتَستَمِرُّ الحَياة.
نَهَضَ مِنَ مَكانِه ..حَوقَلَ ثلَاثَ مرات متتالية ثم قال مناجيا نفسه:
 لقد ضاعت البلدة..
ضاعت..
ضاعت.



                                                                                                                                          

فرمز حسين
 ستوكهولم
2015-06-28
Stockholm-sham.blogspot.com
                      Twitter@farmazhussein