الثلاثاء، 13 مايو 2014

لإيجاد نظام بديل لابد من معارضة بديلة



لإيجاد نظام بديل
لا بد من معارضة بديلة
فرمز حسين
استمرارية الصراع على امتداد الجغرافية السورية لعامها الرابع هو دليل قاطع على الفشل الذريع لكل الجهات المنخرطة في الاقتتال بكافة المعايير , من يدعي غير ذلك هو منفصم عن الواقع لا يرى الأمور إلا من منظور واحد. النظام فشل ولا يزال في القضاء على المناوئين له من خلال تمسكه بحلوله الدموية و إصراره على استخدام البراميل المتفجرة لقتل عامة السوريين بأقل تكلفة ممكنة في سبيل القضاء على كل مخالف له , من لا يتم تصفيتهم جسديا يمكن شطبهم من سجلات الأحوال المدنية طبقا لسياسته المريضة. المعارضة من جانبها فشلت في اقناع السوريين قبل  العالم الخارجي  بكفاءتها كبديل سياسي يمكن الاعتماد عليه نظرا لتواجد موازيين القوى على الأرض في أيدي مقاتلين يخضعون  لنفوذ تيارات دينية اسلامية مختلفة منها المتشددة ومنها المتطرفة ,جبهة النصرة الملتحقة بتنظيم القاعدة رسميا على سبيل المثال. المدرك للشأن السوري يستطيع أن يرى بوضوح بأن معارك الطرفين سوف تطول لكن فرصتهما في حكم سورية قد انتهت نظرا لعدم القبول بأي منهما على المستويين المحلي و الدولي على حد سواء.
 اتهام الأسرة الدولية بعدم أهليتها للقيام بالمهام المنيطة بها و أهمها وقف القتال, حماية المدنيين وإنقاذهم من براثن الموت اتهامات محقة نابعة في أغلب الأحيان من الشعور المتكرر بالإحباط في التوصل الى وقف لنزيف الدماء السورية إلا أن السبب الأساسي لعدم قيام الأسرة الدولية بالوقوف الى جانب السوريين واتخاذ موقف يحسم الصراع وينهي مأساتهم هو افتقاد الأرضية الممهدة للتدخل  نظرا  لعدم وجود معارضة بديلة تحمل رؤى واضحة تستقطب السوريين للالتفاف حولها.
الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع هو غياب الحلول , فقدان بوادر التسوية وعدم وجود أي بصيص للأمل في الأفق القريب ما يعني استمرار للقتل والتهجير والانتقال من وضع سيء الى آخر أشد سوأ.
 للخروج من عنق الزجاجة المليئة بالدماء هناك احتمالان :
 الأول:
 بروز معارضة بديلة  قد تضم بعض قوى الائتلاف ,المجلس الوطني, المجلس الكردي, ربما شخصيات من العلويين المعارضين الصامتين تجاه سياسة الأسد الأمنية شريطة أن يجمعهم الهم الوطني المشترك بعيدا عن الشعارات الدينية والقومية المتطرفة, معارضة تكون مصدر توافق داخلي من غالبية المكونات السورية و تكون مؤهلة  لتحظى بدعم خارجي لأخذ زمام المبادرة واستلام دفة القيادة التي من شأنها إيصال عموم  السوريين الى بر الأمان من جديد.
 الثاني :
 الاتفاق على صيغة للمحاصصة الطائفية والقومية على غرار ما هو قائم في لبنان والعراق .
  أخطاء دول أصدقاء سورية تكمن في محاولتهم لم شمل قوى معارضة لا تجمعهم روابط فكرية مشتركة سوى العداء للنظام تحت مظلة واحدة, في البداية تمثلت بالمجلس الوطني السوري وفيما بعد بائتلاف قوى الثورة. الحل يكمن في فصل مختلف قوى المعارضة عن بعضها البعض ليظهر كل على حقيقته ويكون مسئولا عن أفعاله ويتحمل تبعاته . لابد من فصل التيارات الدينية التي تسعى الى تبديل سلطة ديكتاتورية حاكمة بأخرى أشد ديكتاتورية تحت مسميات مختلفة,عن الفصائل الوطنية الأخرى التي تريد أن ترى سورية دولة مدنية ديمقراطية تعددية.
يمكن تحت الضغوط الإجماع بين قوى علمانية وأخرى دينية متطرفة أو تيارات قومية شوفينية مع أخرى ليبرالية في صف واحد , لكن من الجنون أن نتوقع نجاحهم معا. حشد الطاقات يمكن أن تتم بين قوى تحمل هما وطنيا واحدا و لها رؤى أيديولوجية متقاربة .
قبل السعي لإيجاد نظام حكم بديل عن البعث والأسد لا بد من إيجاد معارضة بديلة.
2014-05-10

فرمز حسين
 ستوكهولم

Stockholm-sham.blogspot.com
                      Twitter@farmazhussein

                                           



السبت، 3 مايو 2014

بكركي

بكركي
قصة : فرمز حسين

على مفترق الطريق الواقع غرب المدينة وقف بكركي ملتحفا بمعطف بال, ثخين, مسندا نصف ظهره على الباب الحديدي المطليّ بالأحمر والأسود والنصف الآخر على الجدار الأيمن للحانة المغلقة الذي يشكل الركن الشرقي للبناء وهو يضرب كفا بكف ويفرك يديه بحركة هستيرية ,علّه يحس ببعض الدفء ينفذ الى جسده المتعب ,  قدماه بالكاد تصمدان تحت ثقل جذعه , يترنحان في حركات ارتعاشية متقطعة في تلك الأمسية الرطبة من أواخر شباط  فيما عينيه الغائرتين غارقتين بدموع ثقيلة تتجه حينا صوب المساحات المجاورة بنظرات هلعة والى الفضاء الرحب بتوجس حينا آخر وكأن مخلوقات خرافية بأذرع طويلة سوف تظهر من العدم وتقطعه إربا.

كل شيء بدا داكنا شاحبا , رجال بملامح متجهمة غير مألوفة .. أعينهم تقدح شررا .. أفواههم تقذع شنيع الكلام .. يرطنون بلهجات غريبة , نساء متشحات بالسواد , أطفال  بأسمال بالية تستر بالكاد أجسادهم الهزيلة .. يسيرون في شوراع وأزقة مهملة تفوح منها رائحة نفايات محترقة. على أسقف الأبنية تقف طيورا سوداء فاحمه شبيهة بالغربان ذو مناقير بيضاء ملوثة بصبغة حمراء قاتمة, تنعق في صوت واحد ثم تصمت معا!
 يا إلهي !
 لقد تغيرت الدنيا في هذه المدينة سواد في سواد !
 بتّ أرى نفسي غريبا فيها على الرغم من تسكعي المستديم في أزقتها وشوارعها منذ نعومة أظافري.
في قرارة نفسه كان يحاول الابتعاد عن التفكير بما حدث في الأمس القريب.. لكن قدرته على التماسك كانت تخذله في كل مرة وينهار خائر القوى , دموع ثقيلة تغرق مرة أخرى عيناه قبل أن تنزل على خديه المليئتين بالتجاعيد المبكرة لترسما خطان متعرجتان تنحدران عبر وجهه المستطيل المغطى بطبقة رقيقة من السخام والغبار.
 بعد ردح من الزمن مليء بالتسكع في الشوارع , النوم على الأرصفة وفي مداخل الأبنية , أفلح مؤخرا في الركون إلى ذلك الدار الطيني المهجور ليلا والتسلل منه الى الخارج قبل بزوغ فجر كل يوم , شيئا فشيئا تحول ذلك الدار لديه الى بيت اعتاد لمس جدرانه وآلف رائحة تربتها وهو يفترشها في المساء , أحسّ به كوطن يضمه لدرجة أنه بدأ يفتقده  كلّما أحس بالتعب وحاجة الخلود الى الراحة.
كانت العتمة مطبقة تماما حين سمع أصوات حفنة من الرجال يدخلون البيت المهجور, تخيّل للوهلة الأولى بأنه سمع صرخة ..
ثم تأوهات...
 فأنين.
 انهم يبرحون أحدهم ضربا عنيفا تمتم لنفسه!
مدّ يديه بصورة عفوية ليتحسس تحويشة العمر في جيب سترته السرية تحت إبطه...
 أطبق عليها بكلتا يديه المرتجفتين , فيما كتم أنفاسه خوفا من أن ينتبه أحدهم الى وجوده.
 الصوت انقطع برهة طويلة من الزمن .. لدرجة أنه اعتقد بأن كل ما سمع كان محض خيال... لولا أن ضربات قوية متتالية حينا ومتقطعة أحيانا أخرى, قطعت شكه باليقين.

ألصق جسده بجدار البيت المتهالك وكأنه جزء منه خوفا من أن يطل أحدهم برأسه ويكتشف وجوده في قلب العتمة.
 الصخب تلاشى تدريجيا...
حلّ محلّه صمت مهيب... حتى أنه بدأ يسمع ضربات قلبه وهي تدق بشدة ولأول مرة في حياته بهذا الدوي المرتفع ..
بدأ يجزّ على أسنانه متسائلا:
هل أنا في كابوس مرعب ؟
هل صوت الحارس المسلح مجرد وهم ؟  لأنني ربما اعتدت سماعه كل يوم وهو ينهر الأهالي.
شيئا فشيئا أصبح الظلام يتلاشى وأضواء خفيفة بدأت تتسرب الى الداخل , تردد في البداية على الخروج لكنه استجمع قواه المشتتة ليوثب من مكانه وقد تملّكه ذعر غير مسبوق .. سار بخطوات متعثرة باتجاه الحجرة المجاورة مرورا بمصدر تلك الأصوات التي كانت تأتي من بهو الدار المهجور ...
 هناك في البهو تسمّر في أرضه مصعوقا من هول المنظر....
 الدماء كانت قد صبغت الجدار الطيني الجنوبي .....
رائحة الموت كانت آخذة بالانتشار ,  لثوان معدودة لبث دون حراك قبل أن يهرع الى الخارج وهو يحاول أن يحتفظ بأمعائه داخل جوفه.


2014-04-23
                                                                                                                          
فرمز حسين
  ستوكهولم

Farmaz_hussein@hotmail.com

Stockholm-sham.blogspot.com

Twitter@farmazhussein