الأحد، 17 أبريل 2016

سوريتنا ممكنة في دولة إتحادية مناطقياً

سوريتنا ممكنة في دولة إتحادية مناطقياً
 لا نفشي سراً اذا قلنا بأن تركيبة الواقع المجتمعي السوري الغير متجانس شكل إحدى أهم عوامل التعقيد في الحالة السورية منذ أن اندلعت شرارة الثورة المطالبة بالتحول الديمقراطي و التخلص من الاستبداد و ما تلاها من تحطم لقبضة النظام الحديدية التي كانت تحبس السوريين جميعاً ضمن عموم المساحة الجغرافية في بلد أسماه بسوريا الأسد . كما أن التركيبة المذكورة كانت إحدى أهم العوامل المؤثرة على مواقف القوى الإقليمية و الدولية و دفعها إلى التردد و الشك في إمكانية نجاح نظام ديمقراطي وسط هذا التنوع الاثني و المذهبي المتعدد و اتجهت تلك القوى إلى السلبية في التعاطي مع الأزمة و عدم حسم الصراع  لصالح أي طرف كان . المواقف المذكورة ساهمت في تفاقم الوضع نحو الأسوأ مع مرور كل يوم و تحولت حياة السوريين إلى مأساة حقيقية بكل المعايير و تم ادخال البلاد في متاهة ضاعت في حناياها كل آمال الخلاص و اكتسب الصراع تدريجياً صبغة الحرب الأهلية أي الكل  ضد الكل أفقياً, عمودياً, طائفياً و إثنياً . بعضهم يسعى إلى تغيير السلطة من مستبدة إلى أخرى مماثلة و ربما أسوأ , آخرون يريدونها كعكة للاقتسام و فصائل متطرفة تعمل على إدامة الصراع للحفاظ على حالة اللاستقرار و المستنقعية لتنفيذ مآربهم على حساب دماء السوريين . الصفة التي تجمع كافة المسلحين المتحاربين بما فيهم جيش الأسد هو عدم  تمثيلهم الشارع الشعبي السوري العريض رغم ادعائهم ذلك. و في الجانب السياسي  حتى هذا اليوم لم تتوضح صيغة نظام الحكم الذي لابد أنه آت و سيخلف الأسد و حزبه الذي مزّق البلاد و هجرَّ أهلها إلى كل شعاب الأرض هائمين على وجوههم هاربين من وطن صادره رئيس مصاب بالفصام مدعوماً من دخول شركائه المتطرفين لمساعدته في قتل الشعب و ادخال البلاد في طريق معتم مسدود.
 حقيقة أن الوضع السوري شائك لا يختلف عليه إثنان لكن على الرغم من ذلك فهناك كثيراً من التهويل عندما يتعلق الأمربإمكانية إيجاد صيغة حل من شأنه أن يخرج السوريين من محنتهم لكن ذلك بالتأكيد لن تكون عبر اللقاءات الماراتونية في جنيف  و التي تجري دون أية خريطة طريق متماسكة  يمكن التعويل عليها للتوصل إلى حل يرتقي إلى تطلعات السوريين عموماً .
التركيبة السكانية من الأديان و المذاهب المختلفة و خصوصية التناحر الطائفي  الذي سببه لجوء النظام إلى استغلال  طائفته العلوية في الحالة السورية  للحفاظ على السلطة و إيهامها بأنها حرب مذهبية وجودية ضدهم من قبل الغالبية السنية و بالتالي سقوط النظام هو ضياع لهم , تجعل من ضرورة الدعوة إلى سورية دولة علمانية يتم فيها فصل الدين عن الدولة و تجعلها الصيغة الوحيدة التي يمكن من خلالها تضمين المساواة في الحقوق و الواجبات و تبعد شبح المحاصصة الطائفية.
الناحية الثانية: هي الإثنيات الأصيلة المختلفة المتواجدة على ترابها ضمن حدود الدولة السورية الحديثة التي رسمها الاستعمار, هنا نجد طروحات عديدة منها :  إعادة انتاج الدولة المركزية  , اللامركزية الادارية مع المناداة بحقوق المواطنة المتساوية دون تمييز لعرق أو دين أو جنس و مؤخراً الفيدرالية التي أعلن عنها حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي منفرداً.
إذا أخذنا بالاعتبار الرأي العام للشارع السوري فهناك توافق كبير بالرغبة  في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية و التحول الديمقراطي من حكم البعث الشمولي و النظام العسكري إلى حكم مدني يضمن العدالة الاجتماعية و القانونية وتكافؤ الفرص و حرية الرأي و التعبير,هنا يحتل طرح المواطنة المتساوية  الدرجة الأولى لكنها  دون تضمين للحقوق الجماعية للإثنيات المختلفة في سورية سيدخلنا في موقف مشابه جداً للموقف الذي حدث في مكدونيا حين قرر الاتحاد الأوربي عام 2001 عبر (تفاقية أوهريد )بعدم التطرق إلى ذكر القوميات و اعتبار مكدونيا دولة لمواطنيها و حينها اعترضت المكونات الإثنية في مكدونيا و في مقدمتهم الألبان و طالبوا بنص صريح للاعتراف بهم كشعوب و أجبرو الاتحاد الأوربي على إعادة صياغة فاتحة الدستور المكدوني بإضافة كلمة شعب إلى كل مكون وأصبح على الشكل التالي  الذي قمت بترجمته من الانكليزية :
(مواطني جمهورية مكدونيا, الشعب المكدوني و كذلك المواطنون الذي يعيشون داخل الحدود المكدونية و الذين هم جزء من الشعب الألباني,  الشعب التركي, الشعب الفالشي,الشعب الصربي, الشعب الروماني, الشعب البوسني و آخرون قرورا تأسيس جمهورية مكدونيا دولة مستقلة ذات سيادة).
مثلما العلمانية تشكل الحل للخروج من إشكالية الطائفية المذهبية, كذلك التوافق على صيغة فاتحة الدستور السوري الجديد سيكون مفتاح الحل لمختلف إثنياتها و غير ذلك لن تشعر الإثنيات الغير عربية بحقوقها المتساوية كشركاء في وطن واحد متساويين في الحقوق و الواجبات و لذلك فان إحدى الحلول الرئيسة هو التوافق على  صياغة دستور جديد  بمشاركة الجميع و تكون على غرار فاتحة الدستور المكدوني على سبيل المثال لا الحصر :
مواطني دولة سورية الإتحادية: الشعب العربي , الشعب الكردي , الشعب السرياني الآشوري و آخرون قرروا تأسيس دولة سورية الاتحادية مستقلة ذات سيادة. العرب أكبر إثنية تليها الكرد و من ثم  السريانية الآشورية نظراً للارتباط التاريخي العميق لهذه القومية مع التراب السوري و أهميتها في ربط ماضيها بحاضرها و مستقبلها.
ويبقى الضمان الوحيد للتخلص من عودة النظم الاستبدادية هو إقامة نظام فيدرالي مناطقي لا إثني يشعر فيها السوريون في مختلف أقاليمهم بحرية الحركة و العمل و السكن و الإحساس بالإنتماء المشترك إلى وطن سوري واحد بلغات,ثقافات و إثنيات متعددة و بمواطنة من الدرجة الأولى و ربما الإتفاق على علم موحّد غير علم النظام أو الثورة عَلَمَاً يمثل التنوع السوري و يعطي الشعور للجميع بالإنتماء المشترك ويشكّل الضمان لوحدة السوريين و يُبعد شَبَحَ التقسيم عن أراضيهم.

فَرَمَزْ حسين
ستوكهولم
2016-04-18
Stockholm-sham.blogspot.com
twitter@farmazhussein



الأحد، 3 أبريل 2016

المفقود المشترك بين السوريين عرباً و كرداً

  المفقود المشترك بين السوريين عرباً و كرداً
لا شك أن للكرد دور محوري في التأثير على مجريات أحداث الثورة في سورية و كان النظام أسرع في الاستشعار بهذه الحقيقة أولاً ثم المعارضة وهو الأمر الوحيد الذي يشترك فيه النظام و المعارضة على حد سواء, لدرجة التناغم في الرؤى بينهما في هذه المسألة خلافاً لكل شيئ آخر .
لكن على الرغم من معرفة الطرفين بهذه الحقيقة يبقى تعاملهما محصوراً ضمن دائرة ضيقة من الشك و الإرتياب .النظام الذي قام بتهجير الكرد من أراضيهم وإقامة الحزام العربي على طول الحدود مع تركية وقدم الدعم والامتيازات للمستوطنات العربية التي تم نقلهم من حوض الفرات في الرقة وذلك بغرض التفوق على السكان الأصليين, حاول منذ بدايات الثورة تحييد المكون الكردي من المشاركة في الحراك المناهض له  من خلال إعادة الجنسية للمجردين منها و تفويض حزب الاتحاد الديمقراطي  ب ي د أمر الاهتمام بالكرد المناوئين للسلطة مقابل اطلاق أيديهم في المناطق الكردية دون أي اعتراف رسمي بحقوق قومية مشروعة.  كما أن قوى المعارضة بمختلف فصائلها لم ترتقي في طروحاتها إلى مستوى تطلعات السوريين عموماً و فيما يتعلق بالشق الكردي خصوصاً في سورية المستقبل أي ما بعد الأسد.
المفقود المشترك بين السوريين العرب و الكرد هو فقدان الثقة المتبادلة, عربياً هو عامل فوبيا التقسيم الذي من منظور عربي إن حصل فسيكون بمبادرة من الكرد . كردياً هو الخشية من عودة من يحل بديلاً للنظام و تصبح بأيديهم زمام الأمور أن يعودوا إلى ممارسة السياسة العنصرية نفسها التي مارسها حزب البعث الشوفيني على مدى عقود طويلة فتقوم الأغلبية العربية بانكار حقوقهم القومية و السياسية  تحت ذريعة حقوق المواطنة الفردية دون مراعاة للحقوق الجماعية ومن ثم ممارسة سياسة الدمج القسري و هذه المرة تحت استبداد المواطنة السورية بدل المواطنة العربية السورية في زمن النظام.
بناء جسور الثقة بين السوريين عرباً و كرداً هو مفتاح الحل الذي سيقود إلى التغيير ولن يكون الخاسر فيه أحداً سوى نظام الأسد و حزبه الحاكم. لكن مسألة بناء جسور الثقة ليست بالسهلة و تتطلب تنازلات مشتركة من الطرفين.
كردياً كسوريين يجب التخلص من الوصاية المفروضة علينا من الرموز السياسية في كردستان العراق و كردستان تركيا معاً , فنحن على الرغم من أننا في الأساس إثنية واحدة لكن هناك واقع معاش نلمسه كل يوم في ظل هذه المحنة التي يعانيها السوريون بمن فيهم الكرد فأهلنا المهجَّرون ليسوا أكثر من لاجئين ساكنين في مخيمات الأمم المتحدة في كردستان العراق و في تركية, بالتالي فإن حل المسألة الكردية لن يكون إلا مع شركائنا السوريين .
عربياً كسوريين لا مفر من الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي على أرضه بما فيه حق تقرير المصيرو لن تنجح أية محاولة أخرى إلى لم شمل السوريين ضمن أراضي و حدود الدولة السورية الواحدة التي رسمها حولنا الإنكليز و الفرنسيون منذ قرابة مائة عام .
اللجوء من قبل بعض المثقفين العرب إلى تزوير التاريخ كوسيلة لتمييع القضية الكردية و التهرب من الاستحقاقات الشرعية لن تكون مجدية  فالوجود الكردي كأغلبية ساحقة على أراضيه يمتد على مدى الذاكرة خاصة في منطقة كوباني وكرداغ  مع مدينة عفرين شمالي غربي حلب أما في منطقة الجزيرة فهناك قسم من الكرد  نزحوا إليها  من تركيا في مطلع العشرينات من القرن الماضي في أعقاب الانتفاضات الكردية هناك و حسب احصائيات سلطات الاحتلال الفرنسي  في منتصف الثلاثينات من القرن المنصرم و المدونة في كتابات السفير و الدبلوماسي  السويدي السابق انغمار كارلسون  كانت الإحصائيات السكانية  في الجزيرة على الشكل التالي:
 إثنان و ثمانون ألف كرد بشكل رئيسي سكان قرى يعملون في الزراعة.
اثنان و أربعون ألف نسمة مسلمين عرب, غالبيتهم بدو رحل ,مربي المواشي ولكن مع ازدياد في أعداد الذي يتحولون إلى سكان قرى.
اثنان و ثلاثون ألفاً من المسيحيين بشكل رئيسي سكان مدينة القامشلي والحسكة  حرفيين  و تجار.
كما يجب أن لاننسى التواجد الكردي الكبير في دمشق والذي يعود إلى أيام الأيوبيين, وتواجد مماثل في حلب.
الأسد بنظامه البعثي كان ولايزال مهندس العداء للكرد السوريين و يوصفهم برامج حزبه الفاشي بالورم السرطاني الذي ينتشر في الجسم العربي وأن الكرد هم أعداءنا ولا فرق بين كردستان و يهودستان , لذلك على من يعتبر نفسه من المعارضة السياسية الوطنية عليه أن يعمل جدياً على محو ثقافة االبعث نهائياً من مخيلته . في المحصلة فإن الطرفان السوريين عرباً و كرداً مطالبين بالعمل على مدّ جسور الثقة و إعطاء الشعور بالإنتماء المشترك إلى وطن واحد فيه متسع للتنوع الإثني , الطائفي و التعددية الفكرية.
فَرَمَزْ حسينْ
سُتُوكْهُولمْ
2016-04-02
twitter@farmazhussein
Stockholm-sham.blogspot.com