الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

حرب النجوم في سورية


حرب النجوم في سورية

 

فرمز حسين

بعد مضي أكثر من عام ونصف على الأوضاع المأساوية التي يعيشها السوريون وما خلفته آلة القتل والدمار بالبلاد والعباد يبدو العالم الخارجي أكثر تخاذلا وأقل حزما وأبعد من أن يتوصل الى اتفاق حول خلق مبادرة قوية تكون من شأنها وقف نزيف الدم في سورية.

وهنا أريد أن أقول لكل من يهمه  ولا يهمه الأمر  بأن الشعب السوري لم يعد لديه خيار غير الاستمرار في الدفاع عن نفسه. في البداية كنا نقاتل من أجل حريتنا لكننا الآن نقاتل للدفاع عن أرواحنا هذا ما يردده السوريون اليوم.

ليس هناك من بريق أمل في الأفق يلوح ببشائر الخروج من المحنة العميقة فالعالم الخارجي لا يحس بالقلق مادام الخطر لا يطرق أبواب القوى النافذة, بل ربما استمرار الاقتتال في سورية يعطي تلك الدول الشعور بنوع من الارتياح وبأن التيارات المتطرفة التي شكلت مصدر أرق للكثير من الدول الكبرى هم منهمكين بقتل بعضهم البعض فلا بعث شوفيني مشحون بدعم شيعي ولا اسلام سني أوصولي ولا قراصنة ولا جنود مرتزقة سيكون لديهم متسعا من الوقت للتخطيط لأعمال عدوانية في أماكن  أخرى من العالم.

الرئيس المصري محمد مرسي  الذي سعى مؤخرا الى اجتماع اقليمي لكي يضم الدول التي لها  تأثير مباشر على أطراف النزاع في سورية : تركية ,ايران , السعودية  مبادرته ولدت عقيمة وحكمت بالفشل قبل وضع خطوطها الأولية وذلك من خلال تغيب السعودية المتعمد من جهة و دعوة ايران التي أعلنت مرارا رفضها لأي حل سياسي يتضمن رحيل الأسد والتي بمثابة دعوة لأركان النظام السوري الذي حتى هذه اللحظة يردد موشح المؤامرة. الاجتماعات الأخيرة  في نيويورك على خلفية لقاء الخريف الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة لم ولن تثمر عن أية خطوات جديدة سوى عملية تكرار عقيمة للاجتماعات السابقة والخطابات الجوفاء, حتى لهجة أوباما المتشددة في خطابه الأخير لا تعد أكثر من لعبة دعائية لكسب الأصوات ضد منافسه الجمهوري رومني الذي ينتقد سياسته الخارجية تجاه سورية و ايران.

الدول المتورطة في الأزمة السورية لها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة بشكل عام وهذا الأمر لم يعد خافيا على أحد حتى من ليست لديه اهتمامات سياسية بات على دراية بالأسباب الكامنة وراء سلوك هذه الدول حيال سورية المنكوبة.

أما سلوك العالم المنادي بشعارات الديمقراطية وحقوق الانس والجن ,الاهتمام بمشاكل البيئة والطبيعة ,حقوق المثليين ,الرفق بالحيوان ,حرية التعبير وسيادة القانون لا تشمل اهتماماتهم ما يجري للشعب السوري وما يتعرض له من سفك للدماء وهتك للحرمات, بعد كل هذه المناورات والمماطلات والقرارات المتهاونة  ليس له سوى تفسير واحد هو الجبن السياسي وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصائب خشية مما سيجلب لهم من عواقب.

الادعاءات بالوقوف الى جانب الشعب السوري الذي أصبح أسيرا مسلوب الارادة في وطنه ولاجئا بائسا بلا حول ولا قوة  في الدول المجاورة هي ازدواجية ليست في المواقف فحسب بل في الأخلاق والقيم الانسانية وبالمعايير الفكرية فهو عهر سياسي بكل ما للكلمة من معنى.

الأخضر الابراهمي لم يأتي بجديد ولن يفلح في قديم بل أنه بدأ منتهيا منذ أن ردد مقولته بعد لقائه الأسد : ( السيد الرئيس), (السيد الرئيس يعرف أكثر مني ) لأكثر من ثلاث مرات في أقل من ثلاثة دقائق وكأنه يتحدث عن داعية سلام لا ديكتاتور متشبث بالسلطة و أمير حرب مسبب  لبؤس الملايين من السوريين , ثم تطبيله المتكرر على دف الترويع من النزاع في سورية وبأنها تشكل خطرا على المنطقة والعالم في حين  كان عليه أن يقول للعالم الخارجي بأن عدم حل الأزمة في سورية وبقاء هذا النظام حاكما في دمشق هو الخطر الحقيقي على الأمن والسلام الدوليين .

المنظومة الدولية بكل مؤسساتها السياسية وصروحها الدبلوماسية فقدت مصداقيتها الأخلاقية أمام المواطن العادي في معظم دول العالم الاسلامي من خلال تجاربها المشئومة المختلفة مرة من خلال بعثاتها العبثية من الدابي الى الأخضر الابراهيمي مرورا بعنان, ومرة أخرى من خلال لقاءات أصدقاء سورية واجتماعات الأمم المتحدة التي تستصدر قرارات مسبقة الصنع والآن الدول الاقليمية المعنية. في الوقت الذي يرتفع فيه أعداد الضحايا من العشرات الى المئات يوميا دون أن تشكل وتيرة العنف المتزايد صفارة انذار للمجتمع الدولي بأن موقفنا من مأساة الشعب السوري خطأ ويجب تصحيحه . مع الأسف كلما زادت همجية النظام في التعامل الوحشي مع شعبه المنتفض كلما فترت وخارت الجهود الدولية  في التعامل مع الأزمة.

لكن قريبا سيبدأ الأمريكيون بإنتاج أفلام هوليودية بميزانيات مليونية ضخمة للتحدث عن حرب النجوم في سورية وكيفية معالجتها وإنقاذ أهلها من مخلوقات خرافية بفضل الأبطال الأمريكيين ثم عودتهم الميمونة منتصرين الى ديارهم في الوقت الذي يستمر الشعب السوري في تقديم الضحايا بالمئات يوميا على أرض الواقع.

 

 

 

فرمز حسين

2012-09-26

 مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم


Stockholm-sham.blogspot.com          

Twitter@farmazhussein 

 

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

البروزة


 

البروزة

فرمز حسين

 

البروزة كلمة دارجة يستعملها السوريون  كثيرا للدلالة على الاهتمام بالشكليات والأطر البراقة فقط وإهمال المضامين الهامة والجوهرية وهنا أريد أن أذكر اخوتنا في القيادات السياسية الكردية السورية بأن المشهد السوري العام يضم بين جنباته الكرد أيضا ويظهر دورهم الفعلي ويقارن مع ما هو متوقع منهم, أنتم على الخشبة والشارع يترصد حتى أنفاسكم!

الارتقاء الى حجم مسؤوليات المرحلة الصعبة ليس فقط حاجة بل مطلب جماهيري ملحّ ينتظر من قادة المجلس الوطني الكردي في سورية أن يصلوا إليه, امتحان عملي لنضوج الساسة الكرد بعيدا عن المناظرة في فترة مرهفة الحساسية من عمر البلاد حيث لا توجد فيها هوامش ولا فسحات للأخطاء ولا متسعا للنسيان والتسامح .

اذا نظرنا الى  المجلس الوطني الكردي الذي هوعبارة عن ائتلاف سياسي يضم قرابة ستة عشر حزبا متفاوت النفوذ والحجم فهو يمثل شريحة واسعة من الأطياف السياسية للشعب الكردي في سورية نرى أن هذا الوفاق تحت سقف هذه المظلة جاء نتيجة عوامل ,ظروف ,ضغوط وتوجسات فرضتها المسيرة النضالية للانتفاضة الشعبية العارمة التواقة للحرية على مستوى سورية عامة والتي بدأت سلمية وأغصبت على العسكرة تدريجيا.

كل خطوة باتجاه رصّ الصف الكردي هي مباركة  بلا شك وتستحق كل التقدير لكن المسيرة طويلة وتحتاج الى تضحيات كثيرة على طول الطريق تبدأ من الأمور الشخصية الضيقة مرورا بالمصالح الحزبية التي ليست أكثر اتساعا من الشخصية عندما يتعلق الأمر بأحزابنا من الكرد السوريين. التحلي بالأدوات الأخلاقية والفكرية المطلوبة  يفرضه الواقع الأليم الذي يمر به البلاد سلوكا وأداء حتى الوصول الى ذلك اليوم الذي يتمكن فيه السوريون التخلص من نظام الحكم الشمولي وبناء سورية موحدة ليس على نهج البعثيين بإلغاء وإقصاء الاخر بل بلدا لكل السوريين بدستور يقرّ حقوق الشعب الكردي والاثوري والسرياني وغيرهم من الاثنيات الى جانب الشعب العربي في دولة مدنية تعددية ديمقراطية.

المجلس نجح الى حد ما من احتواء الشارع الكردي لكن هناك الكثير من المهام والواجبات الملقاة على عاتقه والتي لم يفلح في صياغة استراتيجية مناسبة تنسجم مع المرحلة التي تعتبر منعطفا تاريخيا مميزا,  منها  التنسيق مع مختلف التيارات السياسية السورية المعارضة والذي يستوجب الحضور القوي والمشاركة السياسية المؤثرة  في الفعاليات داخل وخارج سورية بعيدا عن سلوكية الانسحابات الهزلية والتي تترك أثارها السلبية وتشكل فراغا سياسيا باهتا في المكان الذي من المفروض أن يكون فيه التواجد الكردي ملحوظا.

 هناك أمر لا يقل أهمية أيضا وهو اظهار ذاتية القرار الكردي السوري حصرا مع كل التقدير للأطراف الكردستانية ومحاولة الاستفادة من تجاربهم السياسية لا نسخها, استقلالية القرار يخلق المناخ الملائم للحوار مع المعارضة السورية بمصداقية الجميع بأمس الحاجة إليها خاصة وأن هناك أمورا مصيرية تحتاج الى بيئة حوار شفافة.

حفاظ المجلس على كيانه  أمر ايجابي دون أن يشكل ذلك عائقا من اشتراك ممثلين عنه في صفوف المعارضة السورية بل هي ضرورة لابد من تداركها لكي يأخذ المكون الكردي مكانه الطبيعي في الحراك السوري المعارض بهوية ناصعة واضحة المعالم لا كالحة مبهمة تقبل شتى التأويلات.

انشاء المجلس فروع له في الخارج من الخطوات التي تتمتع ببعد فكري ورؤية استراتيجية متسعة الأفق للواقع الكردي المعاصر ومحاولة ميمونة لحشد الطاقات الهائلة من كرد الشتات , لكن لكي يتم ذلك  يتطلب من الداخل الكردي وبالتحديد قادة الأحزاب الكردية ذات الشأن افساح المجال لممثليها في الخارج وعدم تكبيلهم بقيود علاقاتهم البينية القائمة شخصية كانت أم فكرية  في الوطن لكي تمارس على الشاكلة نفسها في الخارج.

المطلوب هو الاهتمام بجوهرية الأمور حتى لا يتحول المجلس الى مجرد بروزة لا أكثر.

.

 

فرمز حسين

2012-09-17

 مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم


Stockholm-sham.blogspot.com          

Twitter@farmazhussein 

 

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

المجلس الوطني السوري وطواحين الهواء(رقم 2)




المجلس الوطني السوري وطواحين الهواء(رقم 2)

                                                                  

فرمز حسين

شاءت محاسن الصدف أن أحضر مؤخرا احدى الندوات التي اشترك فيها أعضاء بارزون من قيادة المجلس الوطني السوري, على الرغم من الفرحة الطفولية  التي عادة تغطي وجوه الصغار الموعودين بملابس العيد الجديدة والحلوى الوفيرة غمرت وجوههم ,  أستهل د. برهان غليون الندوة بشرح تمتع بتحليل فلسفي سياسي فيه نوع من السوداوية حول واقع الثورة السورية, دور الدول الاقليمية والدولية في الأزمة ورؤيتهم لمسألة الانتقال السياسي في سورية من نظام مستبد الى اخر برلماني حر موحيا الى أن هناك عملية انهاك لسورية دولة  وشعبا وأن  أمورا كثيرة تؤخذ في الحسبان من بينها الحفاظ على أمن اسرائيل وضمان استمرار أمان مصادر النفط والطاقة في الخليج.

يقو ل حاييم سابان مؤسس مركز سابان لشؤون الشرق الأوسط السياسية  بمؤسسة بروكينغز في مقالة له بعنوان الحقيقة حول أوباما وإسرائيل في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: اسأل أي مسئول اسرائيلي من العاملين في مجال الأمن القومي الاسرائيلي وسوف يخبرك بأن العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم تكن في يوم من الأيام أفضل مما هي عليها الآن في عهد الرئيس أوباما ويردف:  أنه لمن الصعوبة بمكان أن أتذكر فترة كانت فيها السند والدعم الأمريكي أقوى من الوقت الحالي.

ربما الأسباب السالفة الذكر تبرر نوعا ما تلكؤ الأسرة الدولية في الاجماع على قرار يضع نهاية لمعاناة الشعب السوري,  التلكؤ الذي  بدوره منح أركان النظام في دمشق الفسحة الزمنية المطلوبة للقيام بكل ما هو محظور ومباح لإقناع العالم بأن هذه حرب طائفية وليست ثورة حرية كما يقال ويستشهد بالإشارة الى البديل القادم (اسلام سنة متطرف).

كان على المجلس الذي تمتع منذ انشاءه باهتمام اقليمي ودولي منقطع النظير ليكون الخيار السياسي  البديل للنظام والمحاور عن الشعب السوري الامساك بزمام الأمور الدبلوماسية الهامة والملحة تنسيقا مع بقية قوى المعارضة السياسية والعمل ليلا نهارا على اثبات العكس حول مزاعم النظام ليس بالقول فقط بل بطرح البديل السياسي الحقيقي الذي يجمع كافة أطياف المجتمع السوري  ضمن برنامج مستقبلي لنظام مدني تعددي ديمقراطي  يحل محل الدكتاتورية  في سورية الجديدة.

الآن بعد هذه الرحلة الطويلة من العذاب والمآسي التي مرّ بها شعبنا وإيغال النظام في القتل والتشريد وصناعة اللاجئين يبدو المجلس غير مستفيدا من تجربته السياسية التي تقاس مع عمر الثورة السورية, من خلال اعتماده الأساسي على  الخارج حتى في تقوية علاقته مع الداخل وهذا ما يشكل وهنا حقيقيا نظرا لمصالح الدول المعنية المختلفة في المنطقة  ولأن القوة الفعلية لأية حركة ثورية لا يمكن أن تكون حقيقية الا اذا كانت مستمدة من أبناء الشعب دون الزام أو توصية خارجية. د.غليون يظهر تفهما منطقيا لسلوك المجتمع الدولي مع ذلك يفتقر الى الخطاب السياسي القوي مكتفيا بالتلميحات الخجولة.




الأزمة لا يمكن معالجتها من خلال التوسل لتقديم المساعدات المادية للاجئين السوريين ومدّ الجيش الحر ببعض السلاح للاستمرار في الصمود, على الرغم من أهميتها الوقتية وضرورتها الا أنها غير كافية بل الاعتماد على مثل هذه الاستراتيجية وحدها يزيد من تحطيم وتفتيت سورية وطنا وشعبا , لعبة الهاء باهظة الثمن, مساحة من الرمال المتحركة لإغراق الربيع العربي وخنقه قبل أن يعبر الحدود السورية. العالم الخارجي يرى التحول الديمقراطي في تونس, ليبيا, مصر, اليمن نسبي ويمكن التعايش مع  تلك الأنظمة الجديدة مع بعض الترويض فهم أولا وأخيرا في عوز الى الدعم المادي الغربي والعربي لتغطية المتطلبات المعيشية التي كانت منذ البداية احدى الأسباب التي ألهبت الربيع العربي .يقول توماس فريدمان في مقالة له أيضا في  نيويورك تايمز: نحن مازلنا بحاجة الى الدعم الاستراتيجي المصري  في المنطقة وهي مازالت بحاجة الى دعمنا المادي ولكن مصر بقيادة اخوان مسلمين ديمقراطي لن يكون سلوكها مواليا لنا بنفس البديهية التي كانت مع النظام السابق بل نحن بحاجة لخلق نوع جديد من العلاقة ذلك سيكون معقدا.

معقدا لكن ليس مستحيلا يمكن ايجاد أطر للتأقلم معها ولذلك حتى الآن التغيير لا يشكل خطرا على السياسة الحالية للمنظومة الدولية, لكن تلك المعادلات سوف تتغير اقليميا ودوليا مع نجاح ربيع عربي حقيقي في سورية.

 المعركة الآن تدور حول تحديد هوية النظام القادم في سورية واحتواءه قبل ولادته كتابع ذليل لا صوت حر يسمع دويه في شتى أصقاع الدول ذي الأنظمة الاستبدادية.


المؤسف في الأمر أننا مهما حاولنا تجاهل الأمر والتنصل من سرد الحقيقة فان حل الأزمة السورية لن تتم الا عبر قرار دولي يجبر النظام في دمشق بالتخلي عن السلطة لصالح الشعب السوري. لكن نضوج تلك اللحظة لم تحن بعد طبقا للمعايير الدولية المرسومة للحكم المرتقب في دمشق وحين يحصل لن تنتظر تلك القوى دعوة , موافقة أو قرارا بالتدخل العسكري القوي والمباشر .


2012.09.10


فرمز حسين


 مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم


Stockholm-sham.blogspot.com          

Twitter@farmazhussein