سوريتنا ممكنة في دولة إتحادية مناطقياً
لا نفشي سراً
اذا قلنا بأن تركيبة الواقع المجتمعي السوري الغير متجانس شكل إحدى أهم عوامل
التعقيد في الحالة السورية منذ أن اندلعت شرارة الثورة المطالبة بالتحول
الديمقراطي و التخلص من الاستبداد و ما تلاها من تحطم لقبضة النظام الحديدية التي
كانت تحبس السوريين جميعاً ضمن عموم المساحة الجغرافية في بلد أسماه بسوريا الأسد
. كما أن التركيبة المذكورة كانت إحدى أهم العوامل المؤثرة على مواقف القوى الإقليمية
و الدولية و دفعها إلى التردد و الشك في إمكانية نجاح نظام ديمقراطي وسط هذا
التنوع الاثني و المذهبي المتعدد و اتجهت تلك القوى إلى السلبية في التعاطي مع
الأزمة و عدم حسم الصراع لصالح أي طرف كان
. المواقف المذكورة ساهمت في تفاقم الوضع نحو الأسوأ مع مرور كل يوم و تحولت حياة
السوريين إلى مأساة حقيقية بكل المعايير و تم ادخال البلاد في متاهة ضاعت في
حناياها كل آمال الخلاص و اكتسب الصراع تدريجياً صبغة الحرب الأهلية أي الكل ضد الكل أفقياً, عمودياً, طائفياً و إثنياً .
بعضهم يسعى إلى تغيير السلطة من مستبدة إلى أخرى مماثلة و ربما أسوأ , آخرون
يريدونها كعكة للاقتسام و فصائل متطرفة تعمل على إدامة الصراع للحفاظ على حالة
اللاستقرار و المستنقعية لتنفيذ مآربهم على حساب دماء السوريين . الصفة التي تجمع كافة
المسلحين المتحاربين بما فيهم جيش الأسد هو عدم
تمثيلهم الشارع الشعبي السوري العريض رغم ادعائهم ذلك. و في الجانب السياسي
حتى هذا اليوم لم تتوضح صيغة نظام الحكم
الذي لابد أنه آت و سيخلف الأسد و حزبه الذي مزّق البلاد و هجرَّ أهلها إلى كل
شعاب الأرض هائمين على وجوههم هاربين من وطن صادره رئيس مصاب بالفصام مدعوماً من
دخول شركائه المتطرفين لمساعدته في قتل الشعب و ادخال البلاد في طريق معتم مسدود.
حقيقة أن الوضع
السوري شائك لا يختلف عليه إثنان لكن على الرغم من ذلك فهناك كثيراً من التهويل
عندما يتعلق الأمربإمكانية إيجاد صيغة حل من شأنه أن يخرج السوريين من محنتهم لكن
ذلك بالتأكيد لن تكون عبر اللقاءات الماراتونية في جنيف و التي تجري دون أية خريطة طريق متماسكة يمكن التعويل عليها للتوصل إلى حل يرتقي إلى
تطلعات السوريين عموماً .
التركيبة السكانية من الأديان و المذاهب المختلفة و
خصوصية التناحر الطائفي الذي سببه لجوء
النظام إلى استغلال طائفته العلوية في الحالة
السورية للحفاظ على السلطة و إيهامها بأنها
حرب مذهبية وجودية ضدهم من قبل الغالبية السنية و بالتالي سقوط النظام هو ضياع لهم
, تجعل من ضرورة الدعوة إلى سورية دولة علمانية يتم فيها فصل الدين عن الدولة و
تجعلها الصيغة الوحيدة التي يمكن من خلالها تضمين المساواة في الحقوق و الواجبات و
تبعد شبح المحاصصة الطائفية.
الناحية الثانية: هي الإثنيات الأصيلة المختلفة
المتواجدة على ترابها ضمن حدود الدولة السورية الحديثة التي رسمها الاستعمار, هنا
نجد طروحات عديدة منها : إعادة انتاج
الدولة المركزية , اللامركزية الادارية مع
المناداة بحقوق المواطنة المتساوية دون تمييز لعرق أو دين أو جنس و مؤخراً الفيدرالية
التي أعلن عنها حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي منفرداً.
إذا أخذنا بالاعتبار الرأي العام للشارع السوري فهناك
توافق كبير بالرغبة في الحفاظ على وحدة
الأراضي السورية و التحول الديمقراطي من حكم البعث الشمولي و النظام العسكري إلى
حكم مدني يضمن العدالة الاجتماعية و القانونية وتكافؤ الفرص و حرية الرأي و
التعبير,هنا يحتل طرح المواطنة المتساوية
الدرجة الأولى لكنها دون تضمين
للحقوق الجماعية للإثنيات المختلفة في سورية سيدخلنا في موقف مشابه جداً للموقف
الذي حدث في مكدونيا حين قرر الاتحاد الأوربي عام 2001 عبر (تفاقية أوهريد )بعدم التطرق
إلى ذكر القوميات و اعتبار مكدونيا دولة لمواطنيها و حينها اعترضت المكونات الإثنية
في مكدونيا و في مقدمتهم الألبان و طالبوا بنص صريح للاعتراف بهم كشعوب و أجبرو
الاتحاد الأوربي على إعادة صياغة فاتحة الدستور المكدوني بإضافة كلمة شعب إلى كل
مكون وأصبح على الشكل التالي الذي قمت
بترجمته من الانكليزية :
(مواطني جمهورية مكدونيا,
الشعب المكدوني و كذلك المواطنون الذي يعيشون داخل الحدود المكدونية و الذين هم
جزء من الشعب الألباني, الشعب التركي,
الشعب الفالشي,الشعب الصربي, الشعب الروماني, الشعب البوسني و آخرون قرورا تأسيس
جمهورية مكدونيا دولة مستقلة ذات سيادة).
مثلما العلمانية تشكل الحل
للخروج من إشكالية الطائفية المذهبية, كذلك التوافق على صيغة فاتحة الدستور السوري
الجديد سيكون مفتاح الحل لمختلف إثنياتها و غير ذلك لن تشعر الإثنيات الغير عربية بحقوقها
المتساوية كشركاء في وطن واحد متساويين في الحقوق و الواجبات و لذلك فان إحدى
الحلول الرئيسة هو التوافق على صياغة
دستور جديد بمشاركة الجميع و تكون على
غرار فاتحة الدستور المكدوني على سبيل المثال لا الحصر :
مواطني دولة سورية الإتحادية: الشعب العربي , الشعب
الكردي , الشعب السرياني الآشوري و آخرون قرروا تأسيس دولة سورية الاتحادية مستقلة
ذات سيادة. العرب أكبر إثنية تليها الكرد و من ثم السريانية الآشورية نظراً للارتباط التاريخي
العميق لهذه القومية مع التراب السوري و أهميتها في ربط ماضيها بحاضرها و مستقبلها.
ويبقى الضمان الوحيد للتخلص من عودة النظم الاستبدادية
هو إقامة نظام فيدرالي مناطقي لا إثني يشعر فيها السوريون في مختلف أقاليمهم بحرية
الحركة و العمل و السكن و الإحساس بالإنتماء المشترك إلى وطن سوري واحد بلغات,ثقافات
و إثنيات متعددة و بمواطنة من الدرجة الأولى و ربما الإتفاق على علم موحّد غير علم
النظام أو الثورة عَلَمَاً يمثل التنوع السوري و يعطي الشعور للجميع بالإنتماء
المشترك ويشكّل الضمان لوحدة السوريين و يُبعد شَبَحَ التقسيم عن أراضيهم.
فَرَمَزْ حسين
ستوكهولم
2016-04-18
Stockholm-sham.blogspot.com
twitter@farmazhussein