رذاذ المطر
قصة: يلمار سودربيرغ
ترجمة: فرمز حسين
مرة أخرى هو الخريف و الأيام المظلمة, و الشمس تخبئ نفسها في أحلك ركن من الفضاء كي لا يرى أحد مدى الشحوب و الشيخوخة و الهزال التي
أصابها في الآونة الأخيرة. لكن فيما الريح
يصفرمن ثقوب النافذة و المطر يخرُّ في مزراب السقف و كلب مبلل يعوي أمام بوابة
موصدة هناك في أسفل الشارع, وقبل أن أن يحترق آخر حطب الخريف في المدفأة أريد أن
أروي لكم حكاية رذاذ المطر.
اسمعوني الآن:
الإله أصبح منذ فترة مستاءاً جداً من سوء الناس لدرجة أنه قرر أن يعاقبهم
فيجعلهم أكثر سوءاً. و لعل الخيار الأكثر تفضيلا لدى عظمته كان خيار اغراقهم كلهم
في طوفان جديد. إنه لم ينسى كم كان المشهد
مريحاً حين ذهب جميع الأحياء مع الطوفان.
لكن للأسف لأنه و في لحظة عاطفية وعد نوح بأنه لن يفعل أبداً ذلك مرة أخرى.
اسمع ياصديقي قال لذلك يوماً لإبليس أنت على الرغم من أنك لست قديساً و لكن
لديك أحيانا أفكاراً جيدة ومعك يمكن الأخذ و العطاء . الناس سيئين و لا يريدون أن
يصبحوا أفضل و صبري الذي لا حدود له قد نفذ و لقد قررت معاقبتهم بأن أجعلهم أسوأ
مما هم عليه. أتمنى بالحرف أن يدمروا بعضهم بعضاً جميعهم و أن يدمروا أنفسهم
بأنفسهم . يبدو لي بأن اهتماماتنا مختلفة عن بعضها لكن هذه المرة هناك نقطة التقاء فأية نصيحة
تقدمها لي ؟
عض إبليس على رأس ذيله متعمداً.
ياسيدي أجاب أخيراً, حكمتك عظيمة مثل طيبتك. الإحصائيات تشير إلى أن معظم
الجرائم تقع في الخريف, حين تكون الأيام مظلمة و السماء ملبدة و الأرض مسجى بالمطر
و الضباب.
الإله فكر ملياً في تلك الكلمات.
فهمت ذلك قال أخيراً. نصيحتك جيدة, و أريد أن أتبعها. أنت لديك مواهب جيدة,
ياصاحبي, لكن عليك ان تستخدمهم بشكل أفضل..
ابتسم ابليس و هزّ بذيله.لقد شعر بالإطراء و الخجل, ثم عرج في طريقه الى
البيت.
لكن الإله قال مناجياً نفسه:
من الآن فصاعداً سوف يهطل المطر رذاذاً متواصلاً دائماً. الغيوم لن تنجلي
أبداً و الضباب لن يزول أبداً, و الشمس لن تشرق أبدأ. وسوف يكون الجو كالحاً و
سقيماً حتى آخر كل نهار. وهذا ما حصل.
صانعي المظلات و الأحذية المطاطية ابتهجوا في البداية و لكن لم يمضي وقت
طويل حتى ترسخ القنوط حول شفاههم. الناس لايعرفون قيمة الطقس الجميل إلا بعد أن
يفتقدوه زمناً.
السعداء أصبحوا مكتئبين. و المكتبئين أصابهم الجنون و شنقوا أنفسهم في
طوابيرطويلة . أو في تجمعات. لنً يبقى
أحداً يعمل قريباً.و العوز تضخم و الجريمة صعدت للذورة, السجون اكتظت بالنزلاء, و دور
المجانين أصبحت كافية للعقلاء فقط, عدد الأحياء تناقص.بيوتهم أصبحت مهجورة. تم
نَصْ عقوبة الإعدام على الإنتحار لكن هيهات لم يعد شيئاً ينفع.
الانسانية التي عبر أجيال عديدة تأملت وحلمت بالربيع الأبدي, تمضي الآن آخر
أوقاتها في خريف أبدي.
يوم بعد يوم انتشر الدمار و أصبحت بلداناً مهجورة. المدن تحولت إلى أطلال.
في الساحات تجمعت الكلاب و بدأت تعوي. لكن في الأزقة يمشي رجل أعرج عجوز من بيت
إلى بيت حاملاً على ظهره كيساً يجمع فيه الأرواح, و كل مساء يعود إلى البيت بكيس
ملآن.
و لكن في إحدي الليالي لم يعرج الى البيت , بدلاً من ذلك اتجه إلى بوابة الجنة ومنها مباشرة الى عرش الإله. هناك
توقف انحنى محيياً و قال:
مولاي لقد أصابتك الشيخوخة في الآونة الاخيرة. لقد أصابتنا الشيخوخة نحن
الاثنين و هذا هو سبب الملل الذي نعانيه.
أخ... يامولاي لقد كانت نصيحة سيئة
أسديتها اليك .تلك الذنوب التي تهمني بحاجة من حين إلى آخر إلى بعض الشمس لتزدهر, انظر لقد حولتني إلى
متجول قذر يجمع القطع و مع كلمته هذه رمى كيسه المتسخ أمام عتبة العرش بقوة عنيفة
فتقطع رباطه و رفرفت منه الأرواح لم تكن سوداً بل رمادية.
هذه آخر أرواح البشر قال ابليس أهديها لك مولاي.ولكن احترس جيداً في
استخدامها إذا كنت تنوي خلق عالم جديد.
الريح يصفر من ثقوب النافذة و المطر يخرّ في المزراب, و الآن انتهت الحكاية
. من لم يفهمها يستطيع أن يواسي نفسه بأن يوم غد سيكون الطقس جميلاً.
ستوكهولم
2018-12-30