سورية توأم العراق
مثلما
أوباما توأم بوش
فرمز حسين
الكتاب الأجانب وتقييمهم لواقع بلداننا ليسوا نماذج
يفترض بنا أن نقتدي بهم مهما بلغت نجاحاتهم في بلدانهم, سما شأنهم, علت مراتبهم
وكثرت جوائزهم, بل أنني أستطيع أن أجزم بأن أقل كتابنا المحليين خبرة تبقى أبحاثهم وتحليلاتهم أكثر مصداقية, منطقية
وأشد ملامسة للواقع من هؤلاء الذين يستشهد بهم كمراجع في شؤوننا السياسية وتتهافت الصحافة
لنشر مقالاتهم المترجمة, من بين هؤلاء الكاتب الأمريكي توماس فريدمان فكتاباته
بالدرجة الأولى موجهة للقارئ الغربي ومناسبة لتذوقه. استوقفني كثيرا مقالاته عن
شؤون الشرق الأوسط عامة والشأن السوري خاصة,
كمحلل غريب عن الواقع لا يلام في عدم دقة المعلومة المحلية لديه وخلطه
الديموغرافي من بلد شرق أوسطي الى اخر مثله في ذلك مثل غيره من الكتاب الأجانب, لكن الذي جعلني أهتم بكتاباته أكثر من سواه هو تطابق
الرؤى التام بين ما يكتبه وبين ممارسات الادارة الأمريكية وموقفها الرسمي من الشأن
السوري.
هناك مثل كردي يقول : من يحترق فمه من الحليب
الساخن ينفخ حتى في كأس اللبن البارد بعدئذ.
هذا المثل ينطبق نوعا ما على الموقف الأميركي
حيال المأساة الأليمة في بلدنا سورية.
تجربة الولايات المتحدة وإبداعها في حفر مستنقعها النتن في التربة العراقية
بأيديها مندفعة الى ذلك بحكم ضغط سيكولوجي هائل لإرضاء الرغبة الأمريكية العارمة
في الانتقام لضحايا الحادي عشر من سبتمبر واسترداد كبريائها مندفعة بغرور العظمة
من امكانياتها على اقتلاع أنظمة لا توائمها
وزرع أخرى موالية, معتمدة على ارشادات مغلوطة من بعض العراقيين في الخارج وتحليلات أمثال فريدمان الأمر الذي جعل نزوة بوش
العسكرية باهظة الثمن بشريا وماديا واستغرقت تسعة سنوات طوال حتى تمكنت قواته على
الخروج من المستنقع الذي الى يومنا هذا مازالت أوحاله عالقة بهم.
الاشارة الى الفشل الأمريكي في العراق
وإيعازه الى التركيبة البنيوية هو تهرب من قول الحقيقة الكامنة وراء فشل الغزو الأمريكي للعراق و
النهج الذي سلك لاحتلالها, أسبابها, دوافعها والأهم من ذلك كله هو الغياب التام لإستراتيجية
الخروج من البلاد والهيكلية التي كان من المفروض أن ترسم قبل الاجتياح لعراق ما بعد صدام, لقد مارس جورج بوش الابن
مقولة ( فكر ثم أجب ) عكسيا أي قام بالفعل ثم فكر بعدئذ بما فعل.
الأخطاء والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها
القوات الأمريكية بتواجدها الطويل على الأراضي العراقية قضت على أحلام وتطلعات
المواطنين في العالمين العربي والإسلامي الى الديمقراطية الغربية كنمط سياسي,
اجتماعي يحتذى به كما أن تلك الانتهاكات المتتالية ساهمت على تعزيز مواقف
ديكتاتوريات المنطقة بأنها تبقى الأفضل
لشعوبها على الرغم من استبدادها.
التدخل الأمريكي في العراق لم يكن في الأساس
لأجل الاطاحة بنظام صدام الديكتاتوري, إنقاذ الشعب العراقي وإحلال نظام ديمقراطي
بديل كي ينعموا به, بل كان له دوافعه الأمريكية البحتة, فبالإضافة الى رغبة الانتقام كان الهدف أيضا
ارباك المنطقة وإقحامها في صراعات مذهبية وخلق توازنات طائفية بعد أن اعتدل الموقف
الأمريكي تجاه الشيعة حيث أن مجمل الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانوا
من السنة.
حين قصف صدام مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية
عام 1988 وقتل أكثر من خمسة ألاف مواطن كردي نساء, أطفال شيوخ, النخوة الأمريكية والغربية كانت غائبة. ذاكرة
مواطني الشرق الأوسط ليست مثقوبة ويدركون الدوافع الحقيقية وراء كل خطوة سياسية
أجنبية. الاطاحة بنظام صدام حسين الدموي غير مأسوف عليه على أية حال, لكن ما يؤسف
عليه هو معاناة الشعب العراقي وتشتته الأليم .
لا
أحد يستطيع الادعاء بأن الأزمة السورية
سهلة وحلها يسير لكن تشبيهها بالتوأم مع
العراق كما يحلو للسيد فريدمان أن يصورها أمر لا يخلو من السطحية ومحاولة تبرئة
الذمة الأمريكية, هناك التشابه من النواحي الديموغرافية والاثنولوجية وحتى الأيديولوجية المتمثلة بحزب البعث, لكن ليس هذا ما يجب الأخذ بعين الاعتبار هنا بل
طريقة و أسباب الغزو الأمريكي للعراق مقابل ما هو مطلوب من الولايات المتحدة الان
حيال الأزمة السورية.
الشعب السوري يقارع آلة القتل في سبيل نيل
حريته وليس لاستجداء احتلال أمريكي مشابه لم حصل في العراق.
فريدمان يقول في مقالة له نشرت في صحيفة
نيويورك تايمز مؤخرا بعنوان سورية توأم العراق :( بأن سورية ليست مثل ليبيا لكنها
مثل العراق وهذه المرة لن تلعب الولايات المتحدة دورة القابلة).
يضيف
فريدمان:
(
السبب الوحيد لإمكانية العراق من التوصل الى مخرج مقبول للأزمة هو بقاء عشرات
الالاف من القوات الأمريكية و قيامها بدور
القابلة المسلحة).
هنا يغفل فريدمان عن السبب الحقيقي وراء بقاء
القوات الأمريكية وهو تحطيم الدولة العراقية لا النظام فقط وتفتيت بنيتها التحتية
اللا مسئول .
يضيف فريدمان:
( لا أريد أن أرى أي تدخل أمريكي في سورية أو
في أي مكان من العالم العربي كما أن ذلك لن يكون مرحبا به من الشارع الأمريكي).
هذه هي الحقيقة العارية أي أن الأمريكيين
اختاروا أوباما ذوي الأصول المسلمة ليس محبة بالمسلمين والإسلام ولكن لكي يجنبهم الاستمرار
في العداء مع العالم الاسلامي ويحافظ بذلك على الأمن القومي الأمريكي وكل ما عداه
فخار يكسر بعضه!
كما يقول الكاتب أيضا:
(كانت العواقب المأساوية لاحتلال العراق هو
التطهير العرقي وتحويل البلاد الى تكتلات متجانسة سنة, شيعة, كرد).
القضية الكردية كانت موجودة قبل صدام حسين بعقود كشعب على أرضه التاريخي,
أما النزاع المذهبي فالولايات المتحدة كانت من بين من أشعلوا فتيلها.
ويردف فريدمان:
(عندما
فترت الحرب الأهلية وسئمت الأطراف
المتنازعة من الاقتتال , توسطت الولايات المتحدة باستصدار دستور جديد واتفاق حول
تقاسم السلطة).
هنا تشابه كبير في الموقف الأمريكي حيال
الأزمة السورية من خلال كل ما رأيناه من
التباطؤ في التعاطي مع الأزمة وذلك حتى يملّ الطرفان من قتل بعضهما البعض, حينئذ
سوف تتوسط أمريكا لإيجاد أطر للحل.
ويقول أيضا:
( لا يمكن الانتقال من صدام حسين الى
الديمقراطية دون الدخول في حرب الجميع ضد الجميع).
ويختم فريدمان مقالته: (بدون قابلة خارجية أو
مانديلا سوري سوف تبقى نيران النزاع متقدة طويلا).
الخشية
من البديل القادم, البيانات الجوفاء, التمني, السلبية هنا أيضا يعكس التباين الكبير
في السلوك الأمريكي بين جورج بوش الهجومي
وأوباما الاستسلامي والافتقار الى نهج أكثر اعتدالا يفترض أن تتحلى به دولة
عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
2012-08-13
فرمز حسين
مترجم وكاتب سوري
مقيم في ستوكهولم
Stockholm-sham.blogspot.com
Twitter@farmazhussein
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق