حرب النجوم في سورية
فرمز حسين
بعد مضي أكثر من عام ونصف على الأوضاع
المأساوية التي يعيشها السوريون وما خلفته آلة القتل والدمار بالبلاد والعباد يبدو
العالم الخارجي أكثر تخاذلا وأقل حزما وأبعد من أن يتوصل الى اتفاق حول خلق مبادرة
قوية تكون من شأنها وقف نزيف الدم في سورية.
وهنا أريد أن أقول لكل من يهمه ولا يهمه الأمر بأن الشعب السوري لم يعد لديه خيار غير
الاستمرار في الدفاع عن نفسه. في البداية كنا نقاتل من أجل حريتنا لكننا الآن
نقاتل للدفاع عن أرواحنا هذا ما يردده السوريون اليوم.
ليس هناك من بريق أمل في الأفق يلوح ببشائر
الخروج من المحنة العميقة فالعالم الخارجي لا يحس بالقلق مادام الخطر لا يطرق أبواب
القوى النافذة, بل ربما استمرار الاقتتال في سورية يعطي تلك الدول الشعور بنوع من
الارتياح وبأن التيارات المتطرفة التي شكلت مصدر أرق للكثير من الدول الكبرى هم
منهمكين بقتل بعضهم البعض فلا بعث شوفيني مشحون بدعم شيعي ولا اسلام سني أوصولي
ولا قراصنة ولا جنود مرتزقة سيكون لديهم متسعا من الوقت للتخطيط لأعمال عدوانية في
أماكن أخرى من العالم.
الرئيس المصري محمد مرسي الذي سعى مؤخرا الى اجتماع اقليمي لكي يضم الدول
التي لها تأثير مباشر على أطراف النزاع في
سورية : تركية ,ايران , السعودية مبادرته
ولدت عقيمة وحكمت بالفشل قبل وضع خطوطها الأولية وذلك من خلال تغيب السعودية
المتعمد من جهة و دعوة ايران التي أعلنت مرارا رفضها لأي حل سياسي يتضمن رحيل
الأسد والتي بمثابة دعوة لأركان النظام السوري الذي حتى هذه اللحظة يردد موشح المؤامرة.
الاجتماعات الأخيرة في نيويورك على خلفية لقاء
الخريف الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة لم ولن تثمر عن أية خطوات جديدة سوى
عملية تكرار عقيمة للاجتماعات السابقة والخطابات الجوفاء, حتى لهجة أوباما
المتشددة في خطابه الأخير لا تعد أكثر من لعبة دعائية لكسب الأصوات ضد منافسه
الجمهوري رومني الذي ينتقد سياسته الخارجية تجاه سورية و ايران.
الدول المتورطة في الأزمة السورية لها
مصالحها الاستراتيجية في المنطقة بشكل عام وهذا الأمر لم يعد خافيا على أحد حتى من
ليست لديه اهتمامات سياسية بات على دراية بالأسباب الكامنة وراء سلوك هذه الدول
حيال سورية المنكوبة.
أما سلوك العالم المنادي بشعارات الديمقراطية
وحقوق الانس والجن ,الاهتمام بمشاكل البيئة والطبيعة ,حقوق المثليين ,الرفق
بالحيوان ,حرية التعبير وسيادة القانون لا تشمل اهتماماتهم ما يجري للشعب السوري
وما يتعرض له من سفك للدماء وهتك للحرمات, بعد كل هذه المناورات والمماطلات
والقرارات المتهاونة ليس له سوى تفسير
واحد هو الجبن السياسي وعدم القدرة على اتخاذ القرار الصائب خشية مما سيجلب لهم من
عواقب.
الادعاءات بالوقوف الى جانب الشعب السوري
الذي أصبح أسيرا مسلوب الارادة في وطنه ولاجئا بائسا بلا حول ولا قوة في الدول المجاورة هي ازدواجية ليست في المواقف
فحسب بل في الأخلاق والقيم الانسانية وبالمعايير الفكرية فهو عهر سياسي بكل ما
للكلمة من معنى.
الأخضر الابراهمي لم يأتي بجديد ولن يفلح في
قديم بل أنه بدأ منتهيا منذ أن ردد مقولته بعد لقائه الأسد : ( السيد الرئيس), (السيد
الرئيس يعرف أكثر مني ) لأكثر من ثلاث مرات في أقل من ثلاثة دقائق وكأنه يتحدث عن
داعية سلام لا ديكتاتور متشبث بالسلطة و أمير حرب مسبب لبؤس الملايين من السوريين , ثم تطبيله المتكرر
على دف الترويع من النزاع في سورية وبأنها تشكل خطرا على المنطقة والعالم في حين كان عليه أن يقول للعالم الخارجي بأن عدم حل
الأزمة في سورية وبقاء هذا النظام حاكما في دمشق هو الخطر الحقيقي على الأمن
والسلام الدوليين .
المنظومة الدولية بكل مؤسساتها السياسية
وصروحها الدبلوماسية فقدت مصداقيتها الأخلاقية أمام المواطن العادي في معظم دول
العالم الاسلامي من خلال تجاربها المشئومة المختلفة مرة من خلال بعثاتها العبثية
من الدابي الى الأخضر الابراهيمي مرورا بعنان, ومرة أخرى من خلال لقاءات أصدقاء
سورية واجتماعات الأمم المتحدة التي تستصدر قرارات مسبقة الصنع والآن الدول
الاقليمية المعنية. في الوقت الذي يرتفع فيه أعداد الضحايا من العشرات الى المئات
يوميا دون أن تشكل وتيرة العنف المتزايد صفارة انذار للمجتمع الدولي بأن موقفنا من
مأساة الشعب السوري خطأ ويجب تصحيحه . مع الأسف كلما زادت همجية النظام في التعامل
الوحشي مع شعبه المنتفض كلما فترت وخارت الجهود الدولية في التعامل مع الأزمة.
لكن قريبا سيبدأ الأمريكيون بإنتاج أفلام
هوليودية بميزانيات مليونية ضخمة للتحدث عن حرب النجوم في سورية وكيفية معالجتها وإنقاذ
أهلها من مخلوقات خرافية بفضل الأبطال الأمريكيين ثم عودتهم الميمونة منتصرين الى
ديارهم في الوقت الذي يستمر الشعب السوري في تقديم الضحايا بالمئات يوميا على أرض الواقع.
فرمز حسين
2012-09-26
مترجم وكاتب سوري
مقيم في ستوكهولم
Stockholm-sham.blogspot.com
Twitter@farmazhussein
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق