أحداث الفصل الأخير
قصة قصيرة
بقلم: فرمز حسين
حين أسدل الستار على نهاية الجزء الثاني و
قبل الأخير من ذلك الفيلم الطويل الشيق ذو الفصول الثلاثة بصالة العرض الوحيدة في تلك
المدينة النائية , ترقب جميع الحضور بصمت أضواء المصابيح الكهربائية كي تنير
المكان فيشاهد الناس طريقهم للخروج وقضاء استراحة قصيرة لكي يعاودوا بعدئذ مشاهدة
الفصل الأخير المثير منه. الذي حدث هو أن الظلام ساد الموقف و خيّم صمت شامل
لثواني كادت تقترب من الدقيقة قبل أن تبدأ صرخات هستيرية , تصفير حاد من جهات
عديدة,ضربات جنونية على المقاعد , الجدران وأرضية المكان , امتزج الضوضاء بالتخبط
والفوضى في تلك القاعة التي سادها صخب مدوي فاق أصوات المعارك التي كانت عادة تعرض على شاشتها. تلك كانت الطريقة التي عبّر من
خلالها الجمهور الغاضب عن امتعاضهم , سخطهم واحتجاجهم على سلوك المشرفين على ادارة
المكان واستهتارهم , فلا إنارة للصالة و لا استمرار للعرض. بعد أن استمر الضجيج
دقائق دون أن يأتي بالنتيجة المتوخاة أخذ صراخهم ينخفض رويدا. عادوا الى الجلوس
مرة أخرى صامتين , كأنهم يعتذرون عن طريقتهم المشينة في التعبير عن احتجاجهم
العنيف. تحول هدوءهم الى صمت مشوب بحالة من الذهول والترقب الحذر وكأن الحياة قد توقفت
تماما في تلك الصالة المغطاة بظلام دامس. بدأت الثواني تمضي بطيئة ثقيلة في ظل سكينة
مملوءة بالخوف وهدوء ممل ملغوم بشحن من الغيظ !
الجميع في حالة من الانتظار القلق , الموقوت
, المضطرب.
شيء ما لا بد أن يحدث. في أية ثانية.
سننتظر.. ننتظر... كأن القوم يناجون أنفسهم.
تلك الدقائق القليلة مضت ببطء شديد. المصابيح
المبعثرة لم ترسل أنوارها و لا المشهد
الأخير المليء بالشغف للفيلم الأسطوري بدأ بأحداثه ليسود الموقف كما توقع الجميع. يأس
حقيقي وإحباط عميق بدأ يدب بين قسم كبير من الحضور, تفجر الموقف بصخب أشد وأعنف
وقعا من سابقته . حاول قسم آخر ذو وجهات نظر مختلفة تهدئة الوضع بالتريث , ما أدى
الى نشوب حالة من عدم التوافق والشقاق ,تطور الى سوء للتفاهم بين الجميع على الرغم
من الهدف المشترك , الغاية ذاتها , لكن
الوسيلة التي يريدون من خلالها نيل مأربهم كانت وراء الاختلاف. تطور الوضع الى
اشتعال فتيل الفتنة بنيران هائجة بين الجمهور و الى الاشتباك بالأيادي ومن ثم
استخدام ما توفّر من أدوات الأذى والضرر, حتى أن بعضهم استحوذوا على أدوات قاتلة
من زوايا وأركان في تلك الصالة, كانت على ما يبدو سهلة المنال من بعض منافذها.
عنف أهوج في مواجهة سلوك أرعن!
..
تحطيم .. هدم ..
أذى.. أذى.. أذى.
كانت
تلك المدينة النائية تذخر بعائلات متنوعة , مختلفة , لكن متناسقة , جميلة تعيش في
وئام وانسجام مكمّلة بعضها للآخر , ذلك الاختلاف الذي أعطى سحرا بدا لأمد قريب
أزليا , كان مضربا للمثل ومدعاة حسد من الآخرين.
فجأة أنيرت الصالة الواسعة بأضواء كاشفة ...
نظر القوم الى بعضهم البعض ... بين واقف .. جالس ..مغمي عليه .. جريح .. و..و..عندئذ
بدأ قتال أعمى أشد وطأة عن سابقتها , الآن الدوافع مختلفة , الآن يجب أن يثأر كلّ من الآخر .
أحداث الفصل الأخير للفيلم بدأت تعرض كالمعتاد
وكأنّ شيئا لم يكن , فيما الجمهور التائه
غارقا في عراكه الدامي
.... بين شبه واقف ..جالس..
مغمي عليه ..
جريح..
و..و..و...صريع.. نعم صريع.
ستوكهولم 2012-12-28
فرمز حسين
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
Stockholm-sham.blogspot.com
Twitter@farmazhussein
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق