دولة كردية أم دول مواطنة؟
لا شك أن المسالة الكردية
هي من القضايا السياسية الأكثر تعقيداً ليس فقط على مستوى الشرق الأوسط بل عالمياً
و هناك عوامل كثيرة ساهمت في ربط هذه العقدة التي أصبحت عصية على الحل زمناً بعد الآخر على
الرغم من تعاقب الأنظمة و الحكومات التي تولت سدة الحكم اقليمياً و دولياً.
كثيراً من العوامل كانت مؤثرة على المشهد الكردي
من أهمها هو غياب دولة المواطنة في طبيعة الأنظمة التي تقاسمت جغرافية كردستان والتي
في مجملها تبنت الخطاب القومي عربي , فارسي, تركي ساهمت إلى حد كبير إلى نأي الكرد
بأنفسهم و اللجوء إلى أحزاب كردية صرفة
كإطار وحيد للعمل السياسي و خاصة بعد ضعف و شبه الاختفاء الذي لحق بالأحزاب
الشيوعية والتي كانت قد جذبت بين طلائعها شرائح كردية واسعة للعمل في صفوفها و
بتصدر الأحزاب القومية محل الأحزاب
اليسارية التي كانت تتبنى أيديولوجيا أممية انعدمت فرص تعايش الكرد مع محيطهم دون
الانصهار مع الأغلبية السكانية في تلك الدول و بالتالي كان لابديل عن العمل لايجاد
حل عادل لشعب تعداده يزيد على الثلاثين مليون نسمة , و لأجل هذا الهدف في الأساس كانت
استمرارية حركة التحرر الكردية, لكن أحزابها و قياداتها دخلت في
صراعات بينية لا علاقة لها باالخلافات الفكرية بل سعي كل طرف الاستحواذ على
السلطة ظناً منه بأن اضعاف الآخر سوف
يخوله تمثيل الشعب الكردي متناسيين أن من يقف وراء بعثرة القوى الكردية هم أنفسهم
من يريدون سحق أية محاولة من شأنها خلق
فرصة حصولهم على حقوقهم القومية المشروعة
و بذلك تحولت الحركة الكردية إلى ألعوبة
في أيدي القوى الاقليمية حيناً و الدولية حيناً آخر تصعد و تهبط بهم طبقاً للنزاعات
المذهبية بين ايران و تركية تارة والسلطوية
بين العراق و سورية تارة أخرى و تركية و سورية طوراً آخر و شكّل الكرد دائماً في نهاية المطاف الضحايا في
اطار مقايضات سياسية بين مختلف الأنظمة
صاحبة الشأن .
ماحصل مؤخراً من
توحيد لمواقف القوى الإقليمية ضد
كردستان العراق جاء تأكيداً على استعداد تلك الدول الأربعة التحالف مع الشيطان في
سبيل سحق طموح الأكراد في تكوين كيان مستقل لهم
و الذي عبر شعب كردستان عنها بأغلبية ساحقة بنعم في استفتاء الاستقلال و لو
أن النتيجة كانت معاكسة لما حركت تلك الدول ساكناً هذا من ناحية, أما من ناحية
أخرى فهو أيضاً تأكيد على أن القيادات الكردية لاتزال
مشاركة في التلاعب بمصير شعبها دون أخذ العبرة من التجارب التاريخية الكثيرة منها تخلي
الأوربيين عن الكرد في معاهدة لوزان لصالح الاتراك و تخلي السوفيات عن جمهورية مهاباد و اتفاقية الجزائر و غيرها من
الأمثلة المعروفة ضمن مسيرة حركات التحرر الكردية.
القوى
الدولية ليست لديها الإرادة في رسم معالم خرائط سياسية جديدة من شأنها تقويض
كيانات كبيرة مثل تركية العضو في حلف
الناتو و ايران التي تتمتع بنفوذ و امتداد واسع في العالم العربي الهش و على وجه
الخصوص إذا كانت القوى الكردية نفسها متناحرة فيما بينها.
ضمن مثل هذه الظروف ليس أمام احزاب الحركة
الكردية إلا خياران مختلفان تماماً لا ثالث لهما:
الأول: ترتيب البيت الكردي و البدء بمرحلة نضال
جديدة من عمر حركة التحرر الكردية في الأجزاء المختلفة من كردستان باستراتيجية
موحدة وتنسيق تام واضعين نصب أعينهم الصالح القومي فوق الأجندات شخصية, عائلية ,قبائلية
أو حتى حزبية كانت لتشكل قوة من الصعب تحويلها إلى لقمة سائغة للغير.
الثاني:
اذا كان مبدأ التبعية للقوى
المسيطرة على كردستان شرط لاستمرارية وجود الأحزاب الكردية فمن الأفضل تحولها إلى حركات وطنية غير اثنية تساهم في رسم معالم
سياسية جديدة في الشرق الأوسط و تنادي بالعدالة الاجتماعية و وحقوق المواطنة دون
تمييز بسبب العرق أو الدين أو الجنس.
فرمز حسين
ستوكهولم
2017-12-11
Stockholm-sham.blogspot.com
Twitter.com/FarmazHussein
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق