الظل
يلمار سودربيرغ
ترجمة: فرمز حسين
لا أعرف حقيقة فيما إذا كنت أحب الحياة أم أكرهها، لكنني
متشبث بها برغبتي و كامل إرادتي . لا أريد أن أموت . لا ، لا أريد أن أموت لا
اليوم و لا غداً ، لا في هذا العام و لا في العام الذي يليه. لكن كان لدي في يوم
من الأيام منذ زمن بعيد حلم حيث كنت أتمنى لو أنني لم أولد أبداً.
مشيت في شارع صامت، خال من الناس . كان يوماً يذوب فيه الثلج في ربيع مبكر و
قطرات المياه التي تتساقط من الأسطح كانت تلمع تحت ضوء أشعة الشمس في الشارع مكونةً بحيرات صغيرة تعكس لوناً مائلاً إلى الأزرق و من فوق الأسطح و مداخن البيوت كان يضيء سماء ربيعي أزرق كذلك . نسمات الربيع التي تنشقتها أحسست بها كبلسم ودواء لحزني الدفين الذي في هذا الوقت كان
قد سمم روحي و بلغ حتى داخل أحلامي. في نفس الوقت شعرت ببعض القلق. هل حقاً كنت وحيداً؟
كان لدي احساس بأن أحداً يسير إلى جانبي، و لكنني لم أكن أرى بوضوح من كان ذلك
الشخص لأنه كان دائماً يترك مسافة نصف خطوة في سيره من خلفي ، و حين التفتت مرةً لكي
أرى من هو ، كان لتوه قد بدأ بتنظيف أنفه و بذلك اختفى نصف وجهه وراء المنديل الذي
لاح مرفرفاً في الهواء.
لكن حينها خطرلي بأنني أسير في الجانب المشمس من الشارع و
لعله ظلّي هو الذي يرافقني في الجانب المشرق من الطريق. أنا نفسي أصابني زكام خفيف
من هواء الربيع، و لم لا يكون ظلي أيضاً قد أُصيب بذلك؟
لم أشعر أبداً من قبل بأي ارتباك من ظلي ، لكن في ذلك
اليوم ارتبكت بعض الشيء، كنت مرتدياً قفازات و ألبسة جديدة ، لكن ظلي كان رمادياً
شاحباً و كان يعطي انطباع شخص فقير. لماذا عليه أن يتبعني في يوم مشمس كهذا و أنا
في طريقي للقاء حبيبتي؟
جاءت تلك التي أحبها لمقابلتي و كانت باسمة باهرة الجمال
و لكن كان أيضاً يلمع في عينيها شيئاً كالدمع. كانت تحمل زهرتين في يديها ، إحداها
وردية اللون و الأخرى حمراء.
أعطتني الزهرة الوردية و لكنها خبأت الحمراء التي كان غصنها مليئاً بالأشواك
في حضنها.
لماذا لم تعطيني الوردة الحمراء أيضاً ؟ سألتها .
ليس بعد أجابت و هي تبتسم و بدا لي في الحلم بأن ابتسامتها
كانت هي نفسها المماثلة لبسمات نساء ليوناردو .
أردت أن أحتضن ذراعيها لكنها أخذتني من يدي ، و كطفلين سرنا
معاً يداً بيد منحدرين في الطريق.
عمدت على أن أجعلها تسير في الجانب الذي كان فيه ظلي
بحيث توطئء الظل بقدميها فيختفي.
لكن الحلم يتبدل أسرع من الزمن.
الشارع الذي كنا نسير فيه كان مثل الذي كنت فيه منذ قليل
ببيوته الخشبية و حدائقه التي كانت تظهر من خلف الألواح الحمراء ,لكنه كان شارعاً آخر
، لم يكن هناك ثلج يذوب و لا بحيرات صغيرة ناصعة
تعكس شعاعاً أزرقاً فيه، كان الربيع قد حلّ فعلاً .القيقب كان قد إزدهر و أصبح
في تفتح كامل و أشجار الكرز في حديقة الجيران كانت ممتلئة ببراعم كبيرة . و أبواب
المنازل كانت تظهر كثقوب سوداء صغيرة من خلال أيام الحلم المضطرب بدت مخيفة بعض الشيء و رجل عجوز يتجول حاملاً
شعلة في يده و يضيء فانوساً هنا و آخر هناك. وقفنا عند مدخل بيتي ، كان ذلك هو البيت
الذي كنت أسكنه و أنا طفل و الذي الآن لم يعد كما كان بل أصبح مثله مثل الشارع و
الحديقة و أشجار الكرز.وقفنا في الظلام نتهامس و نداعب بعضنا البعض و تلاشى الوقت
في قبلة .
الوردة الحمراء
سألتها , هل هي ذابلة؟
لا أجابت إنها لم تذبل بعد. انظر لقد أدمَتْ حضني و أنا أتلهف
لتلك اللحظة التي أعطيك إياها . و لكنني لا أجرؤ . لا... لا أجرؤ!
عينينها كانتا ممتلئين بالدموع ، عندها مدت ذراعيها
حاملة الوردة باتجاه حُمرة الغسق الذي كان يتخلل من فتحة الباب. لم أتمكن من
التماسك أحتضنت يديها بكلتا يدي و ضغطت الوردة الحمراء على شفاهي و قبلتها.
شعرتُ بدوخة في رأسي و اُعتمت الدنيا أمام أعيني و نسيت
كل شيء. و حين عدت إلى رشدي كانت حبيبتي على مسافة أبعد مما كانت عليه مني منذ
قليل، كان و جهها أكثر شحوباً و نوعاً من التعابير المؤلمة ارتسمت حول فمها . أردت
الاقتراب منها و لكن الظل أحال بيني و بينها . كان خيالاً رمادياً شاحباً و وكان
موسوماً بظفائر الفقر . أردت إزاحته جانباً لكنه كان أقوى مني و فيما أنا أصارع
ظلي تغلغلت حبيبتي أبعد فأبعد في ظلام الحلم و غابت كوريقة في ضباب شاحب.
خرجت من خلال البوابة و الظل لاحقني لم يكن هناك ربيع
باق في الخارج بل كان شحوب الشتاء و الثلج
كان قد أتى لتوه، أبيضاً تحت سماء شاحب مظلم و كان لايزال مستمراً في تساقطه.لم أعد
أحمل في داخلي أية ضغينة لظلي لأنني كنت قد أصبحت عجوزاً منحني الظهر و كنت قد نسيت..كل
شيء.
يلمار سودربيرغ
1986-1941
أديب و صحفي سويدي
من أشهر أعماله
الأوهام 895 1 رواية
شباب مارتين بريك رواية قصيرة 1901
قصص قصيرة جداً 1898
دكتور غلاس 1905 رواية
اللعبة الخطيرة 1912 رواية
بالاضافة
إلى أعمال مسرحية و قصصية أخرى.
القصة
المرسلة هي من مجموعته القصصية "
Historietter 1898
قصص
قصيرة جدا
فرمز حسين
كاتب و مترجم سوري
ستوكهولم
2019-04-20
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق