الكابوس
قصة: يلمار سودربيرغ
ترجمة: فرمز حسين
حلمت الليلة الماضية بأنني في غرف لا نهاية لمساحاتها ,
غرف عالية، غرف صامتة. مهجورة و مقفرة كل أماكنها.
غبار كثيف يغطي المفروشات و المنصات ، نقوش مضحكة قديمة على الجدران.صمت ممل ، صمت
كالذي يعانيه الأطرش، بذلت قصارى جهدي لالتقاط صوت ما من الجوار لكن دون فائدة. إنه
مكان منسي تماماً و مهجور تماماً, خُيّل لي بأن رجلاً غنياً جداً يملك مزارعاً و
قصوراً كثيرة لدرجة أنه لايتذكرها جميعها,
وهذا المكان هو من بين ما نسيها. ربما أنه أيضاً قد بدأ يكبر في السن وغدت ذاكرته تخونه. لكن أنا ماذا أفعل هنا ، و كيف
وصلت إلى هنا؟ لقد نسيت. أنا الذي كان لدي عملاً ضرورياً لقضاءه في المدينة ،
لكنني لا أتذكر ماذا ... و غريب أن يكون يوماً شاحباً مائلاً للاصفرار .انه لا
يزال بداية النصف الأول من النهار كيف يكون بهذا الشحوب؟
حلول الغسق يبعث
فيني الخوف.
أحاول جاهداً التعرف على الأشياء الموجودة في الفناء و
أحاول أن أتذكر نفسي في المكان من جديد. يتخيل لي بأنني كنت هنا من ذي قبل، مرات
عديدة . كان يجب أن أشعر بالألفة مع هذا المكان، لكنني أجد استحالة في إعادة ترتيب
ذكرياتي. تماماً كاحساسنا عندما نحاول تذكر اسماً , مصطلحاً أو تعبيراً ما كنا قد اعتدنا تداولها مرات عديدة .
يكون على أطراف اللسان , هكذا يتخيل لنا و لكننا مع ذلك لا نستطيع أن نتذكرماذا.
أرتالاً هامدة من المقاعد ذي المساند العالية . بيانو
قديم يكشف عن أسنانه بعيداً هناك في المكان النصف مُعتم.
اقتربت و أردت أن أعزف بعض الألحان و لكن لا صوت يخرج من
الأوتار. قبعة دائرية مُترَبَة و ملقاة فوق خشبة البيانو. يا للسخافة, الأحرف الأولى من اسمي منقوشة في أسفلها
. تمعنت في القبعة عن قرب . لكن هذه قبعتي, إنها نفس القبعة التي اشتريتها
من" فريدس غاتان" منذ أيام .كيف وصلت إلى هنا و كيف أصبحت قديمة بهذ الشكل؟ و غيرعصريةً أيضاً
أصبحت.التل يضيق صعوداً و كذلك هذه المجالس الواسعة القديمة السخيفة!
أظن بأنني أريد
البكاء لو أنني استطعت ذلك.
لكن اسكت قال مناجياً نفسه ...أحدهم يناديني باسمي هناك في مكان ما من بعيد.
أتابع سيري, أليست لها نهاية هذه المساحات من الغرف ؟
ألا نصل أبداً إلى الأخيرة منها, أليس هناك مخرج؟
مرة أخرى أُنَادَى باسمي. لابد أنه قريباً من هنا , في
هذا الطابق يجب أن يكون . أريد أن أسرع, أريد أن أركض, و لكنني أحس بركبتيّ
ثقيلتين من تحتي, و بصعوبة كبيرة أستطيع بالكاد التحرك. هذا الصراخ لابد أنه آت من
الغرفة التي في الداخل . انها دائرية أو أنها ذي ثمانية جدران، انها غرفة برجية .
و لكن ليس لها مخرج، يعني العودة يجب أن يكون من طريق الدخول نفسه أي من خلال تلك
الغرف المقفرة جميعها.
للمرة الثالثة أُنَادَى باسمي !
من ينادي، من ينادي؟ هناك في ركن البيت، في داخل العتمة.
سرير واسع بستائر ثقيلة. رجل عجوز ذي وجه
شمعي شاحب أصفر ممدد فيه و يحدق النظر فيّ
بعينين جاحظتين و لامعتين
كالزجاج.. كالزجاج... لماذا هذا الرجل العجوز ممدد هنا هكذا وحيداً و هكذا منسياً
؟ لماذا هذا الرجل العجوز مُلقى هنا؟.
شعرت بجسدي منهوكاً و منهاراً و كأنني محطم الأطراف,
مؤكداً لقد أصبت بالشلل. لم أبدي أية محاولة للخروج .لم أستطع حتى أن أعيد الستارة التي أزحتها بيدي اليسار منذ قليل .
أنا شاب و هو عجوز، أنا أنا وهو هو و في الوقت نفسه هو
أنا.
الرجل الذي في السرير هو أنا . هو أنا. و لابد أنني بقيت
عالقاً في السرير و أنا الآن أحدق في نفسي .
من خارج السرير.
طقس
ضبابي و حقول خضراء داكنة , نباتات الذرة تتمايل
من نفسها ببطء لأنني لم أحس بأي هبوب للرياح ، سكون تام كالليل.
مشيت و أنا أمضغ قشة و أفكر في لاشيء . الطريق كان متعرجاً
و أبيضاً بين الحقول . نباتات الذرة كانت قد
نمت بطول قامة رجل على الجانبين.
سمعت أحداً ينوح و يعول
بالقرب من المكان. مشيت و أنا ما بين الخائف و اللامبالي و حاولت أن أتظاهر بأنني لم أسمع
شيئاً أو أنَّ ما سمعته غير صحيح أو أن ذلك كان مجرد تخيل .
لكنه عاود النحيب و هذه المرة تماماً بالقرب مني. لم أتمكن
من الاستمرار في السير. ركبتيّ عجزتا عن حملي. كان عندي شعور بأن في انتظاري حلقَة
مؤلمة ، حلقة شعرت بها مرة أخرى سابقاً منذ زمن بعيد. عمدت إلى إزاحة نباتات الذرة
جانباً و حينها رأيت رجلاً عجوزاً ممدداً على الأرض و ألقى بنفسه باكياً . لم أتعرف
عليه، لم أستطع أن أتذكر بأنني رأيته سابقاً.أخذته من تحت ذراعيه و ساعدته كي يصبح
في وضعية الجلوس. للحظة جلس صامتاً بين ذراعي ، برأس متدلي و عينين جامدتين، ولكن
لم تمض إلا لحظة حتى أطلق صرخة خارقة رهيبة. أفلت نفسه من بين ذراعيّ ثم سقط أرضاً
جثةً هامدة.
نظرت من حولي و لاحظت مندهشاً بأنني لست وحيداً , كان
هناك أناس كثيرون من حولي و يضحكون ساخرين مني.رجلاً بديناً كبيراً في السن بدى
ميسورالحال جداً و رافلاً في ثياب العافية ضرب ركبتيه و ضحك حتى إحمرّت و جنتاه من
شدة الضحك.
كنت مندهشاً و غاضباً.لم أفهم قط على ماذا يضحكون, عندها
و بالصدفة ألقيتُ نظرة على الرجل الميت, المدد على الأرض ثقيلاً هامداً.بعينيه
الزجاجيتين و هما تحدقتان في الفراغ.
لقد كان هو أنا ..نعم..أنا..أنا.
يلمار سودربيرغ
1986-1941
أديب و صحفي سويدي
من أشهر أعماله
الأوهام 895 1 رواية
شباب مارتين بريك رواية قصيرة 1901
قصص قصيرة جداً 1898
دكتور غلاس 1905 رواية
اللعبة الخطيرة 1912 رواية
بالاضافة
إلى أعمال مسرحية و قصصية أخرى.
القصة
المرسلة هي من مجموعته القصصية "
Historietter 1898
قصص
قصيرة جدا
فرمز حسين
كاتب و مترجم سوري
ستوكهولم
2019-04-22
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق