الشعب يتكلم و الزعامات تصمت
الغزو التركي و سعي أردغان لخلق بؤرة احتراب أهلي عربي
كردي طويل الأمد من خلال فرضه منطقة (آمنة) هو أخطر تحول في المشهد السوري ، هكذا
و بعد أكثر من ثمانية أعوام على انطلاق الشرارة الأولى للحراك السوري الذي بدأ كما
هو معروف للجميع كثورة سلمية على الظلم و الاستبداد وتسلح فيما بعد نتيجة لعنف
النظام المفرط و هكذا تدريجياً ضاعت البوصلة و تحول الحراك المسلح إلى وحدات و فصائل
متعددة وتابعة لجهات خارجية متنوعة واضعة نفسها في خدمة مموليها و بالتالي أوصلونا
إلى هذا المستنقع الوضيع .
من أهم الأطراف التي كانت لها تأثير كبير في الصراع الدامي
في البلاد هي تلك الأطراف السياسية و العسكرية السورية التي ركبت العربة التركية، الدولة التي لديها
أجندات لاتمت بصلة بمايريده السوريين لبلدهم .و ليس بخاف على أحد أن أولويات
الدولة التركية هو منع الكرد من الحصول على أية مكاسب قومية وبذلك يكون هؤلاء
السائرون في الركب التركي قد تجاهلوا أهمية أن الكرد في سورية شركائهم في الوطن
كثان اثنية من حيث تعداد السكان و ما يمكن
لذلك أن يخلق لهم من مصاعب و مواجهات غير محمودة العواقب.
من ناحية أخرى فان
القيادات الكردية التركية والتي تأخذ من قنديل مقراً لها نقلت نشاطها إلى الداخل
السوري و تحديداً في المنطقة الكردية من خلال ما يمكن و صفه بصفقة ثنائية مع النظام في دمشق ضاربين بذلك عرض الحائط معاناة
السوريين بمختلف مكوناتهم من استبداد نظام البعث و هذان العاملان كانتا من أهم عوامل
تشتيت بل و فشل الحراك المعارض لاسقاط نظام الأسد الهدف الرئيس الذي لأجله في الأساس
نهض السوريون.
حزب الاتحاد الديمقراطي الذي سيطر على المناطق الكردية
بعد أن أخلاها النظام لنقل ثقله الى الجهات الساخنة الأخرى في البلاد ، كان الأكثر
تنظيماً من بقية فصائل الثورة السورية ، الأمر الذي زاد من قلق تركيا ولكن انتشار
أعضاء تنظيم الدولة من العراق إلى سوريا و بدء سيطرتها على مناطق واسعة في شمالها
منح كل ذلك تركيا شعوراً بالارتياح و فرصة لاستخدامهم كقوة تحارب الأكراد نيابة
عنها و لذلك قامت بتسهيل دخول مقاتليه من
دول عديدة مروراً بالأراضي التركية. و كانت متفائلة بأن يقضي هؤلاء على قوات حماية
الشعب الكردية و أردوغان بدأ يرى نفسه خليفة المسلمين الأكبر لكن الدخول الأمريكي
على الخط بهدف محاربة الارهاب و الاعتماد على المقاتلين الكرد و تزويدهم بالعتاد و
السلاح و التدريب غيرت موازين القوى لصالح الأكراد و أصبحت قوات حماية الشعب أكثر
قوة بل و توسعت لتضم تحت ألويتها فصائل عربية و مسيحية تحت اسم قوات سورية
الديمقراطية و تمكنت من دحر داعش و هدم امارتهم في الرقة .
الخطأ الكبير
الذي ارتكبته القوات الكردية و من خلفها قيادتهم السياسية هو اختزال قضيتهم و
مشروعهم القومي و الوطني في محاربة الارهاب المتمثل بتنظيم داعش و وضعت نفسها في
خدمة أمريكا كبندقية للآجار مقابل حصولها على السلاح و العتاد في حين خلى اتفاقهما
من أية بنود لتعاون استراتيجي تشمل مرحلة ما بعد داعش و هذا ما سهلّ للرئيس الأمريكي
دونالد ترامب قبوله بمطالب الرئيس التركي
رجب طيب أردوغان في الانسحاب من المنطقة فالمعادلة بالنسبة له كانت بسيطة :
التعاون مع الكرد كان لأجل القضاء على قوات داعش و الآن داعش كتنظيم مسلح يهدد أمن
أمريكا القومي من سورية قد انتهى و هذا
يعني أنهم يستطيعون مغادرة المكان فلاشأن لهم بما يجري بين تركيا و الكرد من احتراب لاداعش لهم فيها و
لا قاعدة.
ال ب ي د على الرغم من مرارة تجربة عفرين لم يأخذ درساً
و لم يغير الحزب من سلوكه و يتأكد بأن
حلفه مع أمريكا ليس استراتيجياً بدليل عدم مساندة بقاءهم في عفرين التي كانت ضمن
مناطق الادارة الذاتية لأن تحالفهم كان
لهدف تكتيكي محدد فراحت عفرين دون مقاومة تذكر و دون أن يعير الأمريكان اهتماماً
لضياع إحدى أهم مدن الادارة الذاتية التابعة لحليفهم اللاستراتيجي . أي بمعنى
آخر على الرغم كل أخطاء ال ب ي د كان لديه فرصة كبيرة للنصر لو
أنه أبرم تحالفاً استراتيجياً مع الأمريكان تحالفاً يضمن لهم أكثر من مجرد الحصول
على المال و العتاد الأمر الذي ذكره ترامب في أكثر من مناسبة.
من جهة أخرى تخلي
الأمريكيين عن حليفهم ليس بالأمر الوحيد
الذي سلم أعناق كرد سورية إلى الجزار التركي و زبانيته بل هناك أيضاً صمت القيادات
الكردية فقيادة اقليم كردستان العراق بالاضافة إلى الخلافات الفكرية و عدم التوافق
بينهم و بين محور قنديل لهم أيضاً مصالح
اقتصادية و سياسية كبيرة مع تركيا الدولة و لن حتى تفكر بينها و بين نفسها
المغامرة بتلك المصالح مهما كانت عواطفهم قوية تجاه بني قومهم في سوريا و الجماعة هناك قد اعتادوا عيش القصور و ليس لديهم أدنى استعداد للعودة إلى حياة الجبال.
لكن الأهم من كل هذا و ذاك هو سلبية قيادات ب ك ك في قنديل و الذين عملياً يديرون
القوات الكردية السورية بشكل غير مباشر و
عدم تحركهم لنصرة المقاتلين المحسوبين عليهم من خلال تفعيل المقاومة في الداخل
التركي الهش، ديبلوماسياً هناك جناحها السياسي المتمثل بحزب الشعوب الديمقراطي و
الذي له مقاعد برلمانية عديدة و كان بامكانهم القيام بالاحتجاج داخل البرلمان كما شعبياً خارج
البرلمان من خلال قيادة احتجاجات جماهيرية
عارمة وعصيان مدني هذا عدا عن امكانيات منظومة العمال الكردستاني العسكرية و
خبرتها الطويلة في حرب العصابات مع تركيا على
الأقل لنقل رسالة إلى الجنرلات الترك
فحواها أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي بينما الكرد السوريون يذبحون كالقرابين على
أيدي عناصر الجيش التركي و فصائل عربية سورية مرتزقة تساعد القوات التركية على
احتلال بلادهم و قتل مواطنيهم.
اليوم الشعب الكردي يصرخ في وجه محتل آثم و يضحي بأغلى
ما لديه فيما القيادات صامتة قابعين في أماكنهم و كأن الأمر لا يعنيهم في شيء.
مهم جداً ان يعرف الجميع بأن الداخل التركي هش للغاية و
ليس قوياً و متماسكاً كقوة اقليمية عظمى كما يريد أدوغان أن يظهرها للعالم علينا
أن لاننسى بأن هناك تعدد اثني و طائفي و سياسي كبير جداً في تركيا و الحال عندهم
ليس بأفضل من بقية دول الشرق الأوسط ان لم تكن أسوأ بكثير. تعداد الكرد في تركيا يفوق
الخمسة و العشرون مليون نسمة و العلويون أكثر من اثني عشر مليون هذا بالاضافة ألى
طيف واسع من المعارضة التركية التي زج أردوغان بالمئات من عناصرها في سجونه و علاقة
حكومة العدالة و التنمية المتوترة دائماً مع الاتحاد الاوروبي و حلف الناتو و
عداءه مع اليونان الدولة الأوروبية الجارة و اقتصاد متهالك.
الشعب يتكلم وعلى القيادات الكردية الارتقاء إلى
مستوى هذا الشعب المضحي و المقاوم بشبابه و بناته و عليهم أن يثبتوا لأهلهم قبل الغريب بأن أرواحهم لا مساومة
عليها و فوق كل المصالح و إلا فلن ينوبهم
إلا لعنات الأجيال القادمة.
فرمز حسين
ستوكهولم
2019-10-20
Farmaz_hussein@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق