الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

مشروع لاجئ


مشروع لاجئ

                                                        

قصة قصيرة

بقلم: فرمز حسين


السكينة التي خيمت على المكان كانت مهيبة, ثقيلة لدرجة كتم الأنفاس جعلتني ألعن الساعة التي قدمت فيها إلى هذه المدينة الموبوءة بالشؤم. تباً للأقدار التي ساقتني الى هنا كحمل طريد من الذئاب , لكن تبقى الدوافع وراء هذا المسلك والتي تنطبق عليها مقولة الغاية تبرر الوسيلة هي عزائي . البحث عن رقعة  أمان على سطح هذه البسيطة ليستطيع فيها  المرء ممارسة حياته اليومية ليس الا هذا كل ما في الأمر بانتظار ساعة العودة.

حزمت أمتعتي القليلة في حقيبتي  وخرجت إلى فناء الفندق القديم , كانت السيدة القميئة التي تدير المكان  واقفة خلف المنصة العالية رمقتني بنظرات مليئة باشارات الاستفهام حين رأت الحقيبة في يدي اليمنى , لم أدعها تفكر كثيراً وأبلغتها بأنني راحل وبإمكانها الاحتفاظ بالسلفة النقدية التي دفعتها مؤخرا , لم يكن ذلك كرماً مني بل ليقيني بأنني لن أستطيع استرجاع مليم واحد.


 خرجت أمشي بخطى ثقيلة هائما على وجهي في طرقات تلك المدينة الساحلية  أجر أذيال خيبتي وتعاستي لساعات طويلة حتى بدأت أشعر بالإرهاق , مجرد التفكير بالوجهة التالية التي يجب أن أسير إليها  كان يزعجني لذلك لم أتوقف عن السير ولا حتى لالتقاط الأنفاس رغم الإعياء الشديد. وجوه رفاقي الذين ركبوا عباب البحر مستقلين ذلك الزورق المتهالك  لا تفارقني. التوقف لوهلة قصيرة  يجعلني أرتبك , أتابع المسير من جديد دون الالتفات يمنة أو يسرة.


 ملاصقاً للرصيف الأيمن أمشي في الشارع العريض المؤدي إلى مركز المدينة متجنبا المارة متحاشيا فضولهم العجيب في ذلك اليوم وهم ينظرون إليّ!
أحس بعيونهم الجاحظة  تبقر ثقوبا في جسمي!
يا الهي ما الذي جرى للبشر؟
لماذا الجميع ينظر إلي هكذا؟
كأنني مخلوق غريب هبط لتوه  من كوكب آخر لم يشاهدوا قط مثيلا له في حياتهم!
عجيب أمر هؤلاء الناس لا يدعون أحداً وشأنه! 

بدا الأمر و كأن  الجميع على دراية بمصيبتي , يتساءلون في قرارة أنفسهم و من ثم يتهامسون :الى أين سيتجه هذا المخلوق  الآن ؟
لماذا لم يكن معهم ؟
هل سيجرؤ على محاولة  الإبحار من جديد أم  أنه سيعود الى جحيم وطنه؟
أم ماذا سيفعل؟

فجأة انتابتني رغبة صاعقة بالصراخ حاولت السيطرة على أحاسيسي ,جلست القرفصاء متكورا على نفسي حاضناً حقيبتي الصغيرة بشدة الى صدري ,أجهشت ببكاء أقرب منه الى العويل!!!

في ذاك اليوم المليء ببوادر الشؤم  شعرت كأن النهار أقصر من أي وقت مضى, على الرغم من أن الخريف مازال في بداياته. ظلام ممزوج بضباب سديمي كثيف أطبق على المدينة التي بدت وكأن أنوارها الخافتة لم تعد كافية لإضاءة تلك العتمة التي ترافقت مع برودة قادمة من الشمال محمولة بهواء رطب زادت من احساسي بالوحدة ,البؤس ,الكآبة و التشرد . الامتناع عن التفكير بالمآسي لا يلغيها !
أجد نفسي في مركز المدينة!
يا الهي !
انظر من هناك!
ثلاثة من رفاق الدرب الذين كنت أظن بأنهم كانوا على متن ذلك الزورق المنحوس .  كالمصعوق تسمرت في مكاني من شدة الذهول أغمضت عينيّ وأحكمت اغلاق يدي وأنا أمسحهما ثم أفتحهما من جديد وأعيد الكرّة مرة أخرى لأزيح الغشاوة عنهما , أتأكد بأني في علم وليس في حلم! لابد أن عدم تمكنهم من دفع أجرة السفر قد أنقذ حياتهم مثلي تماماً!!
 احساس دافئ انتابني ,أزال الشعور بسقم الوحدة التي كانت قد هيمنت على كياني قبيل رؤيتهم. فجأة شعرت بمعدتي خاوية  و تؤلمني من شدة الجوع , قلت :  أدعوكم بما تبقي لدي من المال لأقرب مطعم! 
 قبل أن نهمّ بالسير اقترب شرطيان من المكان , بادر أحدهما بالقول: اياقشملار,  كيملك , كيملك بنوع من التهذيب, ثم صاح الآخر  بنزق وعصبية باسابورت, باسابورت!!


ستوكهولم 2012-11-08

فرمز حسين

 مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم


Stockholm-sham.blogspot.com          

Twitter@farmazhussein 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق