عودة الى شريعة الغاب
فرمز حسين
فترة
المخاض العسير من عمر الصراع الدامي تدوم في سورية , أعداد الضحايا من المدنيين
والعسكريين يزداد يوما بعد الآخر دون ظهور أية بوادر أمل يبشر بولادة قريبة كانت أم بعيدة لنظام ديمقراطي يلمّ شمل
السوريين من جديد تحت سقف وطن واحد يضم كافة مكوناته .
بالتفاتة بسيطة الى الوراء و بدايات
الانتفاضة ضد الطاغية نتذكر جميعا اسطوانة النظام المشروخة عن المؤامرة والمتآمرون
على سورية والسوريين.
الآن
بعد مضي أكثر من عامين على بداية الاحتجاجات
التي بدأت سلمية نرى حقا نتائج وآثار المؤامرة
كما ادعى النظام لكن ما لم يكاشفه هو أنه نفسه
مهندس المؤامرة التي أزهقت أرواح أكثر من مئة ألف سوري وحولت أكثر من ربع
المواطنين الى لاجئين . المؤامرة مازالت مستمرة على جميع الأصعدة , الكل متآمر وما
يؤسف عليه فحتى السوريين الصامتين مشتركين
في التآمر على أنفسهم.
القوى الدولية بغربها وشرقها السياسي متوجسون
من المد الاسلامي الذي رافق الربيع العربي ,قلقون من ماهية النظام القادم ومقدار
مرونته فيما يتعلق ليس فقط بمصالحهم الحيوية في المنطقة بل أيضا باستعداده للتعاون
الاستخباراتي الذي يخدم مسألة الأمن القومي لبلدانهم
الغالبية
العظمى من الأنظمة الغربية والشرقية كانت ترى لدى الاسلام السنة اعتدالا ومرونة يسهّل
لهم التعاون السياسي والأمني المشترك على عكس التزمت الديني لدى الشيعة متمثلة بإيران,
لكن هجمات 11 سبتمبر والتي كان منفذوها حصرا من السنة غيرت من نظرة الغرب وجعلت هاجس
التطرف الاسلامي حاضرا لا يفارق مخيلة قادة تلك الدول وعلى وجه الخصوص الأمريكيين
الذين أصبحوا يحاولون مسك العصا من
المنتصف بغية التحكم بموازيين القوى بين الاسلام الشيعة والسنة.
رغبة
الادارة الأمريكية مؤخرا برفع الحظر عن بيع الأسلحة لقوى المعارضة المعتدلة ليس الا
متابعة لهذه السياسة أي لعبة السعي لتغذية النزاع بهدف استمرار رحى الحرب كي تدور
, تحصد أرواح السوريين , تقضي على مقدرات بلادهم وذلك بعد أن استشعرت بوادر الغلبة لمحور النظام و ايران . ما تحتاجه سورية
ويحتاجه السوريون هو الموقف والقرار الذي يحسم الوضع سواء كان ذلك من داخل مجلس
الأمن أو من خارجه.
الكاتب الأمريكي توماس فريدمان يقول في احدى
مقالاته لصحيفة نيويورك تايمز بأن سورية مع سقوط الأسد سوف تكون على الأقل عرضة
لحربين أخريين الأول هو حرب بين العلويين والسنة والثاني هو الحرب بين القوى
العلمانية والأصوليين , يضيف الكاتب قائلا يجب أن نفكر مرتين قبل أن نرسل الأسلحة الى المعارضة ويجب أن نسأل
أنفسنا الى أية نهاية نريد التوصل اليها من خلال استعمال هذا السلاح؟
يبدو
أن الادارة الأمريكية أيضا تبادل الكاتب آراءه ولا ترى أية ايجابيات لسقوط نظام
الأسد !
روسيا بإدارة بوتين لا ترى هي الأخرى في
المعارضة الا امتدادا للمتشددين الاسلاميين ممن يحاربونها من الشيشان فبالإضافة
الى فقدانها لامتيازاتها في المنطقة مع زوال محتمل لنظام الأسد فان انتصار
المعارضة قد يشكل مصدر قوة لأعدائها ومصدر تهديد لأمنها فيما اذا تم التواصل مع
مسلمي القوقاز . الرئيس الروسي بوتين يتحدث عن عدم قيام الأسد بالإصلاحات الجدية في سورية
متناسيا أن ما يقوله يأتي في وقت متأخر جدا جرى خلالها ما جرى من الويلات على
سورية الوطن والمواطن بفضل السياسة الروسية ودعمها السياسي والعسكري اللامحدود
للنظام الحاكم في دمشق.
كان حريا بالمجتمع الدولي لو أراد حقا نصرة
الشعب السوري المنتفض منذ البداية أن يشكل قوة دولية تجبر الأسد على التنحي و تشرف
تلك القوة على عملية انتقال السلطة وتحقن دماء مئات الآلاف من السوريين .
الحروب
الأهلية التي تعتمد أطراف النزاع فيها على التسليح والدعم الخارجي عادة تكون حروب
استنزاف طويلة الأمد
فمادامت روسية وإيران تمدّان النظام بالسلاح
والعتاد سيستمر الجرح النازف في سورية دون توقف , الأسد تحول من رئيس دولة الى
أمير حرب والمعارضة الى ألوية , كتائب وفصائل
متفرقة تحمل شعارات مختلفة دون ادارة توافقية أو مرجعية يصان لها قرار.
انتخاب روحاني لن يغير من السياسة الخارجية
الاستراتيجية لإيران في شيء تحديدا فيما يتعلق بالشأن السوري فمازال المرشد الأعلى
في ايران الكبيرة والصغيرة (حزب الله) هم أنفسهم.
مرة أخرى سلبية المجتمع الدولي في التعاطي مع
الأزمة في سورية حولت الانتفاضة من ثورة شعب ضد طاغية الى حرب أهلية دامية.
أمد الصراع يدوم ورحى الحرب تحصد أرواح السوريين
فيما الحياة تستمر دون توقف مخلّفة جيلا من السوريين يكمن في داخله نفورا من
شعارات الديمقراطية البائسة ولن يتذكر الا خذلان العالم الخارجي الذي ارتأى أن
تسود شريعة الغاب في وطنهم مع فارق أن في شريعة الغاب ينتهي الصراع بالبقاء للأقوى
.
2013-06-17
فرمز حسين
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
Stockholm-sham.blogspot.com
Twitter@farmazhussein
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق