الوطنية الرمادية
فرمز حسين
ما يزيد على المائة ألف ضحية من أرواح السوريين وأضعافا
مضاعفة من الجرحى والمعاقين وملايين اللاجئين في دول الجوار في ظروف معيشية يرثى
لها , و وطن ينهار طوبة تلو الأخرى بينما الأسد مازال مصرّا على صواب الحل الأمني الذي
انتهجه نظامه منذ الأيام الأولى لثورة الشعب على حكمه. الآن وفي هذه المرحلة
الحرجة من حياة المواطنين يدعو الأسد الى المزيد من الاقتتال السوري السوري
قائلا في خطبته مؤخرا : (لا وطنية رمادية
فهي حاضنة للفوضى والإرهاب) . أي بمعنى أن من لم يحزم أمره من السوريين حتى الآن
فعليهم أن يفعلوا فإما أن يحملوا السلاح وينضموا الى شبيحته أو هم مع الطرف الآخر
الارهابي ويجب ضربهم بيد من حديد.
الرجل يستطيع أن
يقول ما يحلو له . فكل الظروف تخدم نظامه :
فزّاعة القاعدة
والمتطرفين والتي كانت رسالة النظام
الموجهة الى الداخل السوري والى المجتمع الدولي أصبحت الآن حقيقة واقعة وقد
نجح في صياغتها بدرجة امتياز.
المتطرفون
أنفسهم الذين قدموا الى سورية بحجة الدفاع عن الثورة السورية هم أول من خدموا
نظامه وأثبتوا صدق ادعاءاته , كما أن قوى
المعارضة وعلى رأسهم المجلس الوطني سابقا , والائتلاف المعارض فيما بعد خدموا
ومازالوا يقدمون الخدمة تلو الأخرى لنظام البعث من خلال سياسة تفتقر لبعد النظر
خصيصا فيما يتعلق بمسألة التطرف من جهة ومسألة حشد الأقليات من جهة أخرى, قيادات
المعارضة وضعوا رؤوسهم في الرمال ولم تصدر عنهم أية مواقف واضحة يفصلون من خلالها
ثورة شعب عن مغامرات جماعات دينية متطرفة تحمل أجندات لا تلتقي مع تطلعات السوريين
البتة , بل على النقيض من ذلك بدت بعض أطراف المعارضة تهلهل لهم كونهم يقاتلون
قوات النظام .
من المفروض أن يشكل حقن دماء المدنيين السوريين أسمى
الدوافع التي على ضوءها يرسم الائتلاف وقيادات الجيش السوري الحر خريطة طريقهم ,الآن
قبل غدا ودقيقة قبل الأخرى, تحديد الموقف من الجماعات المتطرفة الذين لم يكونوا
سوى نذير شؤم على سورية و السوريين هو أول مطلب شعبي, وطني و سوف يغير المعطيات
داخليا ودوليا.
من يسعى الى سورية دولة مدنية تعددية ديمقراطية حرة هو
من يخدم الثورة وليس من يقاتل جيش النظام فحسب.
السوريون بكافة أطيافهم
والذين عانوا من جور وإذلال نظام البعث الأسدي لعقود طويلة لن يرضوا بعد اليوم
العيش في وطنهم رهائن لتنظيمات ارهابية موالية للقاعدة أو غيرها ولن يقبلوا إلا
بالحرية الكاملة بديلا.
بالتأكيد هناك
جهات عديدة يتحملون أسباب استمرار معاناة شعبنا السوري المسالم وآلامه, لكن يجب أن لا ننسى وهن وعدم استقلالية
المعارضة السياسية المتمثلة بالائتلاف التي تمضي من خيبة الى أخرى فكل عمل لا
يساهم على الحدّ من اراقة دماء السوريين
أو على اتخاذ خطوة باتجاه ذلك لا يمكن تسميتها إلا بالخائبة , تزويد المعارضة
بالسلاح فقط لا يضمن حسم المعركة بل استمراريتها, اقناع الخارج بعدالة مطالب
السوريين, و اقناع الداخل بمصداقيتهم كممثلين مرحليين لهم وطمأنة الداخل والخارج بماهية صيغة الدولة
والكيان السياسي القادم والتي من المفروض أن تحلّ مكان النظام الحالي ليس فقط
بالقول بل بالممارسة على الأرض , أي من خلال سلوكية ثورية لكتائب وفصائل الجيش الحر
التي من المفروض أن تخضع لقيادتها السياسية .
حتى يومنا هذا وفي ظل كل ما حدث ويحدث فان معظم فصائل
المعارضة المنضوية تحت راية الائتلاف عندما يتم التحدث عن سورية التي يريدونها لا
تختلف شعاراتهم عن وحدة حرية اشتراكية.
النظام نجح في
ادخال الثورة السورية في نفق الصراع الطائفي المقيت ويوما بعد الآخر ينجح بإقناع
المجتمع الدولي المتردد بأن سورية حقا سوف تتحول الى مرتعا مزمنا للإرهابيين ان
سقط , فعلى الائتلاف النهوض من كبوته و الالتزام بالمبادئ الأساسية التي من أجلها
انطلقت الثورة السورية , قبل أن ينجح الأسد في تحويل السوريين جميعا الى جيش
تشبيحي يقتل أحدهما الآخر ليفنى الشعب ويبقى النظام.
ستوكهولم
2013-08-09
فرمز حسين
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
Stockholm-sham.blogspot.com
Twitter.com@farmazhussein
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق