الأربعاء، 19 مارس 2014

من وحي نوروز 1986






من وحي نوروز 1986


إلى روح الشهيد: سليمان اّدي


قصة قصيرة

بقلم : فرمز حسين


الزمن يمضي حقا، الغريب أن كل واحد منا يظن نفسه بمعزل عن هذا المضي ، أقولها بطريقة أخرى:

هذه الحياة هي مسرحية كلنا أبطالا فيها، لكن الكل يظن نفسه متفرج!! الحاصل.... هذه الفلسفة تعلمتها من صديقي زورو الذي الذي لم تفته فرصة مشاهدة فيلم سينمائي واحد ، منذ أيام الطفولة المبكرة وحتى سنين الشباب الأولى. تعلم الانكليزية من أفلام رعاة البقر(الكاوبوي)والهندية من أغاني شامي كابور ومقارعة الأعداء بالسيف من (هرقل ). عالم كامل يحمله في رأسه الصغير.



دمشق من الأماكن القليلة الذي لا ينتابني فيه الشعور بالغربة على الإطلاق، بل أنني أستطيع أن أجزم بأنه المكان الوحيد في العالم الذي يمنحني ارتياحا لا تشوبه غصة. أتمتع بتنشق كل نسمة من هوائها ، دون التفكير بتلوث البيئة الغريب فيها .على الرغم من ذلك كان الحنين إلى مدينتي القامشلي يشدني أحيانا، ! التقطت علبة السجائر وقداحة (الرونسون)، اللتان كانتا من أهم مقتنياتي، يأخي لو قال لي أحدهم حينها لماذا تدخن السجائر، فهي مضرة بالصحة لضربته باللكمة على وجهه مباشرة. سلكت الطريق الجبلي الوعر، نزولا باتجاه سهل ميسلون، ومنها الحافلة التي تعود من الزبداني إلى دمشق .


توقعت مجيئك هذا المساء قالها زورو وهو يبتسم من خلف مكتب الفندق العالي، الذي يعمل كاتبا في استعلاماتها، غدا عيد نوروز ولقد تواعدنا مع بعض الأصدقاء الفلسطينيين الذين سوف يحتفلون بالعيد تضامنا معنا. سوف تأتي أليس كذلك؟



صباحات الشام جميلة على مدار السنة ، لكن النصف الأخير من شهر آذار له خصوصية شاعرية فريدة، ليس النصف الأخير كله بل أيام أقل من أصابع اليد الواحدة منه، هي التي تعطيك هذا الإحساس الجميل عبر انتقال انسيابي خفيف من فصل الشتاء إلى الربيع . نسمة الهواء العذب في الأفق القريب، والشعور بأن الملابس التي على جسدك بدت وكأنها فجأة أكثر مما يجب.

كانت الساعة السادسة صباحا ، التقينا أنا و زورو مع بقية الشلّة ، التي كان قد تواعد معها على الرصيف الأيمن إذا كنت متجها إلى دمشق المدينة، من الشارع الرئيسي العريض في حي ركن الدين ،قبالة جامع صلاح الدين ،موقف المقاومة.

توافد الناس بالمجيء ومعهم حقائبهم المتخمة بالأطعمة والأشربة، أغلب النسوة قد لبسن زيهن الكردي بألوان جميلة صاخبة، بين كل مجموعة وأخرى هناك واحد أو اثنين يحمل (طنبوره) , نساء أطفال ورجال انه يوم النوروز . ازدحمت الأرصفة تدريجيا على طرفيها بالمشاركين. بدأت بعض الأغاني المتقطعة هنا وهناك. الجميع في انتظار الحافلات التي تم الاتفاق معهم مسبقا للانتقال إلى مكان إقامة الحفل خارج دمشق.



تجاوزت الساعة السابعة ثم الثامنة وبدأت عقارب الساعة تقترب من التاسعة ،حين بدأت الجموع بالتململ، وشوشة هنا وأخرى هناك ، فجأة وإذ بنا نسمع أحدهم يقول :المخابرات واقفين عند مشفى ابن النفيس ، يأخذون الأوراق من جميع سائقي الباصات ويأمرونهم بالعودة من حيث أتوا. فجأة تغيرت سحنة وجوه الأطفال بقسماتها البريئة، من وجوه مغمورة بالسعادة إلى وجوه مقطّبة كئيبة وكأنهم يستهجّنون تصرفات الكبار الغريبة هذه. لم يمضي وقتا طويلا، حتى سمعنا هتافات تنادي بالحياة للكرد وكردستان ، والنزول من على الرصيف إلى الشارع ، بشكل تسلسلي عفوي بديع، من ابن النفيس مرورا بكيكية ، مقاومة، جسر النحاس وحتى ساحة شمدين حيث احتشدت بالناس، في تظاهرة عفوية مثخنة بإحساس عميق بالتظلم.


ماذا نفعل ؟ إلى أين نتجه؟ لم يستغرق وقتا طويلا حتى قررت الجموع التوجه إلى القصر الجمهوري ، تماما وكأننا في ضيعة ويجب أن نشكو همّنا للأغا!

عبر حي المهاجرين الراقي ،توجهت القافلة إلى القصر ، بعض أهالي الحي خرجوا على شرفات منازلهم، أصبحوا أيضا يلوحون بأيديهم تأييدا لنا، حيث الجموع كانت تنادي :چي كردستان بمره كوله دار ) : (Bjî Kurdistan bimrê koledar )

على الأغلب كانوا يظنّون بأننا من أفغانستان، باكستان أو ماشابه. لم يكن أحد يتخيل بوجود من يجرأ، على الخروج في مظاهرة مناوئة للسلطة، في قلب دمشق، باتجاه القصر الجمهوري سكن حافظ الأسد بشحمه ولحمه.

عشرة أمتار قبل وصولنا إلى الباب الرئيسي للقصر، حينئذ بدأ ت قوات الأمن بوابل من النيران الكثيف على المتظاهرين السلميين.لم تمضي سوى ثواني معدودة حتى سمعت أحدهم يصرخ بصوت مملوء بالأسى لقد أصيب سليمان...... لقد قتلوا سليمان !! قوات الأمن مدججة بالأسلحة بدأت تتدفق بغزارة إلى المكان لاعتقال كل من يقع في قبضتهم .فجأة سمعت صوتا مألوفا ينادي: ( سليمان خاطرى كردا )، حين التفت باتجاه الصوت، شاهدت صديقي زورو بين ثلاثة من عناصر الأمن وهم يجرّونه إلى الحافلة العسكرية بينما الدماء تسيل على كتفه عبر خده الأيسر .



قصة قصيرة

بقلم:فرمز حسين

ستوكهولم 21-03-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق