الهبوط الآمن
قصة : فرمز حسين
انبلج الصباح على المدينة الحزينة التي كانت
غارقة في ظلام كئيب وانجلت ليلة طويلة, باردة ..مخلّفة صقيع قاس أطبق على أحيائها
المتلاصقة بدرجة متساوية. أعداد الناس بدأت تزداد شيئا فشيئا على الأرصفة وحركة
السير في الطرقات تكاثفت تدريجيا فيما سحب بيضاء صافية بدأت بالسير بسرعة ملحوظة
في كبد السماء.
كان
"سيد" في سباق دائم مع الزمن بل كان قد سبق الزمن بردح يسير , أي بمعنى
أدق وقائع الأمس كانت بعض من الماضي البعيد نسبيا لديه , أمّا أحداث الساعة فقد
كان على علم بها قبل وقوعها , عبر اشارات تنبؤ خافية على الآخرين ترسل اليه و
المستقبل القريب عنده كتاب شبه مفتوح.
فجأة
رمى كل ما كان يحمله على الأرض بعنف ..
فجأة بدأ يركض صوب الدار بسرعة جنونية .
شوارع وأزقة المدينة كانت تعج بحفر مليئة بأوحال
مغطاة بطبقة رقيقة من الجليد ..
سقط في أكثر من واحدة ...
عاود النهوض بنشاط أكبر بعد كل مرة ليعوض
تأخره بسبب كبواته.
سألحق بكم.....نعم ..
سألحق... سألحق.
لن
أسمح لكم أن ترحلوا بدوني , محدّثا نفسه بثقة مطلقة.
هدير
الطيران بدأ يرتفع حين وطأ عتبة الباب الخارجي لمنزله بقدميه الموحلتين ...
هرع إليه أطفاله مذعورين ...
كيف سأهدّأ من روعهم ؟ قال مناجيا نفسه.
الكل يرتجف من الهلع ..
ماذا ؟
ماذا أقول لهم بحق الآلهة ؟
لابد أن أهدّأ من روعهم!
أغمضوا أعينكم يا صغاري تخيلوا أننا مسافرون
على متن طائرة ضخمة لذلك نسمع هذا الدوي الهائل... حين تصل وتهبط بأمان ...
سوف ننزل جميعا منها إلى مروج خضراء مليئة
بأزهار جميلة ..زاهية الألوان...
نختار
أجمل حديقة مليئة بشتى أنواع الألعاب ..
نأكل أشهى أنواع الأطعمة , نختار ألذّ الشراب
ونتذوق أطيب الفاكهة.
الأطفال كانوا يستمعون الى والدهم بشغف عظيم
وقد بدت أسارير وجوههم تنشرح ومشروع ابتسامة جميلة بدأت ترتسم على شفاهم المرتعشة
وأعينهم المليئة ببقايا دموع تقاوم السقوط .. يحلمون بالوصول الى المرج, مستبدلين
نذير الشؤم الذي يحمله دوي الرعب القادم من السماء القريب إلى بشير خير محتمل.
الطائرة بدأت تدنو أكثر فأكثر ..
هديرها بدأ يصمّ الآذان...
هاهي لحظة الوصول تقترب أحبائي ..
لا تخشوا شيئا سنهبط بأمان , قالها بتكلف
زائد محاولا شحن نبرته بالمصداقية.
استعدّوا للهبوط ..
صراخ المفجوع و نواح اليائس عمّ المكان بعد
أن ابتعدت الطائرة اللعينة.
هبّ
الناجون من الأهالي بتفقد المكان ونجدة المصابين.
هناك تحت الأنقاض كان هبوطهم الآمن ... كانوا
قد أحاطوا والديهم وبسمة الأمل لم تزل تغطي سحنتهم.
فرمز حسين
ستوكهولم
2014-02-19
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق