هل حقا باتت الدولة
الكردية أمرا واقعا؟
فرمز حسين
خاض الكرد على مدى عقود طويلة كفاحا مريرا في
وجه أعتى الديكتاتوريات التي عرفها التاريخ, وكانت التضحيات جسيمة والاخفاقات
متتالية فيما التعاطف الدولي كان شبه منعدم مع قضية أكبر شعب يعيش على أرضه دون
دولة تخصه, محكوما من قبل أنظمة مستبدة تنتمي لقوميات مخالفة .
بغي وطغيان تلك الأنظمة الجائرة وبروز بوادر
أخطار سياساتهم الهمجية على المنطقة والعالم ,بدءا بوصول نظام الملالي في طهران إلى
الحكم , مرورا بغزو صدام حسين للكويت, وصولا الى دموية نظام الأسد في التعامل مع
مناوئيه و نمو مختلف التيارات السلفية ,الجهادية, المتطرفة, فتح أعين العالم
الخارجي على المكون الكردي الذي لا تربطه عداوات تاريخية لا مع الغرب ولا الشرق
السياسي ويعدّ أقرب منه الى العلمانية حيث يمكن الرهان عليه في لعبة المصالح
السياسية التي تعدّ محرك الدفع خلف مجمل القرارات الدولية كشريك سياسي بديل في
منطقة استراتيجية غنية بمصادر النفط و الطاقة ومتنوعة من حيث التكوين البشري في
حقبة اتسمت بتعاظم دور الاسلام السياسي بحركاته الراديكالية التي تأخذ أكثر فأكثر
مناحي متطرفة معادية للغرب.
مع هبوب رياح التغيير التي قدمت مع الربيع العربي بدأت الخطوة الأولى في مسيرة
الألف الميل باتجاه التحرر من القيود المصطنعة التعسفية التي وضعت من قبل أنظمة
غريبة مستعمرة للمنطقة . ما يجري الآن في المنطقة هو عملية دفاع مشروع عن وجود
وكينونة , قومية , دينية, طائفية, وحتى أيديولوجية كانت منصهرة تعسفيا في محاولة لإجبار
كل طرف على الاعتراف بالآخر بغية الوصول
الى قرار حر إما بالعيش الاختياري المشترك ضمن الحدود الحالية المصطنعة أو
الانقسام اعتمادا على التوزيع الأصلي جغرافيا وبشريا.
يذهب الكثيرون بعيدا في اتهاماتهم للكرد بشتى
النعوت متجاهلين الحقائق التاريخية ومتناسين معاناة هذا الشعب و رزوحه تحت ثقل غبن
سياسي ممنهج تراكم عليهم لعقود طويلة افتقدوا خلالها لأدنى درجات التعاطف الخارجي
أو التضامن الداخلي.
انفجار الثورات في مختلف البلدان العربية في
زمن العولمة وازدهار التقنية والفضاء المفتوح مع انتشار واسع للجاليات الكردية في
شتى أصقاع الأرض, هذا الشتات الذي يعدّ بدوره
احدى افرازات السياسات الجائرة في عموم أجزاء كردستان يضخ اليوم بقوة
امكانات اضافية لحركة التحرر الكردية ويضع
قياداته أمام مسؤوليات تاريخية لن تتكرر. بنظرة
سريعة الى الخلف نرى أن الظروف الدولية كانت من أهم العوامل التي مهدت لتأسيس
اقليم كردي في جنوب كردستان وكان أخطر تهديد على انجاحه هو الاقتتال الداخلي بين
الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني ولولا التوصل الى اتفاق
مناصفة السلطة لضاعت تلك الفرصة ولما تحقق النموذج الفيدرالي السائد اليوم في
العراق.
لاشك أن الظروف الدولية اليوم شبيهة بتلك
التي أعقبت حرب الخليج على الأقل من وجهة نظر كردية ما يعني اما الاتفاق على صيغة
مشتركة بين الطرفين الكرديين المتنافسين في كردستان العراق والاتفاق على منهجية
سياسية تتسم برؤية تتجاوز الأسوار الحزبية التي من شأنها القضاء على كل فرص
التلاحم القومي وإما الاستمرار على وضعية قيادات مناطقية تسير طبقا لتقاليد قبلية
مؤطرة ضمن مؤسسات حزبية.
حلم اعلان كردستان العراق دولة مستقلة أقرب منه اليوم الى
الواقع من أي وقت مضى والخشية من تقويضها لا تكمن عند حكومة المركز في بغداد ولا
في القوى الاقليمية ولا الدولية بل بين البارزانيين و الطالبانيين.
فرمز حسين
2014-04-12
ستوكهولم