فرمز حسين
جاءت عملية اسقاط المقاتلة الروسية من قبل الأتراك في الأجواء الحدودية بينهم و بين سورية لتُصَعّد من العلاقة المتوترة في الأساس بين البلدين لدرجة وصف بوتين ما حدث (بطعنة في الظهر من طرف من يدعم الإرهابيين).
لكن بوتين ليس الوحيد الذي اتهم تركية بالتعاون مع الارهابيين, حكومة أردوغان كانت و لا تزال صاحبة مواقف مغايرة لحلفائها منذ صعود نجم الحركات الاسلامية المتشددة بعد عسكرة الثورة السورية وكانت تواجه انتقادات شتى من حلفاءها قبل خصومها, تارة بأنها لا تساهم بالدرجة الكافية في مجال مكافحة الإرهاب وتارة أخرى بأنها تعالج جرحى تنظيم داعش و تُسَهِّل عملية تنقل عناصره عبر حدودها إلى سورية.
تقول صحيفة الإندبندنت: أن التوصل إلى حل سياسي في سورية, بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية, لعب إيران دوراً رئيساً في الحل في سورية, فشل تركية في إقامة منطقة آمنة , حصول الأكراد على التعاطف الدولي و تشكيل ادارة ذاتية في مناطقهم, كلها حلول لا تتناسب و تطلعات حزب العدالة والتنمية و تشكل الدوافع الحقيقة وراء إسقاط تركية للطائرة الروسية.
أردوغان أمسك العصا من المنتصف في محاولة للبقاء على العلاقة الاستراتيجية له مع حلفائه في الناتو ساعياً سعياً حثيثاً إلى استدراجهم للمقايضة,بادياً استعداد بلاده للمساهمة في دحر داعش مقابل اطلاق يده في المناطق الكردية في سورية و إجهاض أي تقدم قد يحرزه حزب الاتحاد الديمقراطي, الفرع السوري للعمال الكردستاني الذي تعتبره تركية أخطر على أمنها القومي من داعش و أخواتها, لاسيما أن المقاومة الكردية في كوباني أوصلت نشوة النصر إلى الداخل التركي (الكردي), ساهمت إلى حد كبير في مضاعفة التصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطية الموالي أيضا للعمال الكردستاني و دخوله البرلمان لأول مرة في تاريخ تركية الحديث و بقية القصة معروفة, كيف أن أردوغان عَمَدَ إلِى إعادة الانتخابات البرلمانية بعد أن أمر بعمليات قصف عدوانية ضد مواقع الكردستاني لكسب أصوات القوميين الأتراك والحصول بالتالي على أغلبية برلمانية من جديد.
روسية بدورها لها دوافعها حيث كانت تعاني عزلة سياسية و عقوبات غربية جراء تدخلها العسكري في أوكرانيا, حاولت كسر الجليد من حولها من خلال الاستمرار في سياسة تحدي الغرب و دعم الأسد لتأمين بقاءها في المياه الدافئة مستفيدة من تردد أميركا التي فقدت الكثير من دورها الريادي في السياسة العالمية عموما وفي المشرق العربي و الاسلامي على وجه الخصوص, هذا بالإضافة إلى خشية موسكو الفعلية من تعاظم دور التيارات الاسلامية, السنية على وجه التحديد, أبعاد مثل هذا التعاظم عليها و تأثيرها في الداخل الروسي.
تضارب المصالح بين كل من روسية و تركية بات واضحاً يوماً بعد الآخر حتى تكللت بإسقاط المقاتلة الروسية وبدأت الأشياء تسمى بمسمياتها الحقيقية بعيداً عن لغة الدبلوماسية و الابتسامات الاستعراضية. روسية قصفت مواقع لا حصر لها للمعارضة السورية الموالية لتركية, ثم جاء دور تركية مستفيدة من العربدة الروسية فوق أجواء المنطقة لتلفت أنظار العالم و بدرجة أكبر لتقول لكل من روسية و إيران أن دورها كقوة اقليمية عظمى لا يمكن تجاهله.
على الرغم من كل ما ذكر و خلافا لكل التكهنات فإن المحظور لن يقع و لن يكون هناك اشتباك عسكري مباشر بين الدولتين. روسية على عكس ما تريد أن تُظهر للعالم فإنها أضعف من أن تواجه دولة بحجم تركية عضوة في حلف الناتو, و هي تعاني الأمرّين من الضغوط الدولية التي تؤثر بشكل كبير عليها من الناحية الاقتصادية ما يجعلها تلهث للتحالف مع دولة مثل إيران لا يجمعهما سوى الإفلاس السياسي والأخلاقي. بوتين لن يقوم بعمل عسكري مباشر ضد أهداف عسكرية تركية, لكن المصيبة هي أنه لن يقف أيضاً مكتوف الأيدي بل سوف يجيب على إسقاط طائرته بالمزيد من الدعم للنظام في دمشق و بمضاعفة قصف المناطق السورية القريبة من تركية والقوى المعارضة المقربة منها. بقي أمراً على قدر كبير من الخطورة و الذي أتمنى أن أكون مخطأً في حدسي ألا و هو أن تقوم موسكو باستدراج حزب العمال الكردستاني ,دعمهم بالسلاح للقتال نيابة عنه.
السوريون بمختلف انتماءاتهم سوف يدفعون ثمن رعونة بوتين و مطامع أردوغان بالمزيد من القتل, التهجير, الدمار و أهم من ذلك كله هو إطالة أمد الأزمة, بقاء الأسد وداعش ليُمعِنوا أكثر فأكثر في قتل الأبرياء وسفك الدماء.
فرمز حسين
ستوكهولم
2015-11-26
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق