حرب على الإرهاب أم ردود أفعال ليس إلا؟ – فرمز حسين
التعامل الدولي مع الأحداث التي جاءت مترافقة مع مرحلة ما سمي بالربيع العربي أظهر الكثير من المفارقات في مواقفها وفرضت رسم اشارات الاستفهام حول حقيقة نوايا القوى الدولية تجاه التغيرات البنيوية التي قد تطرأ على النظم السياسية المستبدة والسائدة في العالم الثالث.
محاولة القضاء على الارهاب وتنظيماته المختلفة التي تقوم بأعمال العنف المسلح لن تنجح على المدى البعيد دون وجود استراتيجية بعيدة النظر تكون أهدافها هو القضاء على عوامل تكوّن الفكر المتطرف، أسباب ازدياد فرص التعبئة وسد الثغرات التي تمهد لنشوء البيئة الصالحة التي تعمل بدورها على نمو بذرة التطرف في البلدان ذي النظم الاستبدادية، فيما في الجانب الآخر الغرب المصدر للسلاح والمستورد للمهاجرين واللاجئين وفشله في سياسة الصهر والاندماج.
عندما تقوم الولايات المتحدة بعملية عسكرية من خلال طائرة بدون طيار لتصفية محمد إموازي الذي نَحَرَ العديد من الرهائن الغربيين بينهم أميركيين، عندما تكشف روسيا عن جريمة وراء تحطم طائرتها فوق شرم الشيخ وتعلن عن مكافأة قيمتها خمسين مليون دولار لمن يقدم معلومات عن الجناة على الرغم من اعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث وفي الوقت نفسه تقصف طائراتها الحربية المواقع التي يريد النظام السوري التخلص منها والتي في أغلبها تابعة للجيش الحر، حين يسارع الرئيس الفرنسي أولاند إلى مضاعفة هجماته الجوية على معاقل التنظيم في سوريا وملاحقتهم في أوروبا بعد الهجمات الارهابية على باريس فإن كل هذه الاجراءات توحي للمتابع بأن الأمر ليس سوى ردود أفعال لا تتعدى مستوى الانتقامات ضد جناة محددين، تنتهي بالتخلص من هؤلاء ولا ترتقي إلى مستوى الطموحات بالقضاء على الارهاب فكرا وعقيدة تنظمه جماعات تتماهى تحت أسماء لحركات مختلفة لكنهم يعتنقون مبدأ التطرف نفسه ويتزايدون عددا وعدة مستفيدين من انتشار الظلم وغياب العدالة الاجتماعية وفرض شريعة القوي على الضعيف من خلال دعم الدول الكبرى للنظم الديكتاتورية في العالمين العربي والاسلامي.
ليس بخاف على أحد بأن تنظيم القاعدة الذي كان موجودا بفترة طويلة قبل مرحلة الربيع العربي لم يتم القضاء عليه من خلال الغزو الأميركي على أفغانستان ولا على العراق على الرغم من أن الغزو على العراق في حد ذاته لم يكن خطأً كونه أفضى إلى التخلص من ديكتاتورية صدام، بل الخطأ الجسيم كان في تحطيم البنية التحية للدولة العراقية، تسريح أكثر من أربعمائة ألف ضابط وصف ضابط في الجيش العراقي وتحويلهم إلى مسلحين، عاطلين عن العمل، ممارسات جنود الاحتلال لأسوأ انواع المعاملة بحق السجناء في أبو غريب وغيرها من السجون العراقية، كانت أهم العوامل التي أدت إلى سقوط الأميركيين في الوحل العراقي.
الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها ادارة بوش في العراق تشكل حتى يومنا هذا إحدى أهم العوامل وراء تفاقم دور التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش الذي تأسس في العراق وامتد فيما بعد ذلك إلى سوريا مستفيدا من الفلتان الأمني فيها من ناحية ومن تجاهل النظام لانتشاره من خلال تركيزه على ضرب القوى المعارضة المعتدلة أو الأقل تطرفا من ناحية أخرى.
العالم يواجه اليوم أكبر تحدٍ له في مواجهة التطرف والإرهاب والقرارات الدولية الحالية التي تُتَخَذْ لمعالجة المشاكل التي تواجهها شعوب المشرق الاسلامي هي التي سوف تحدد مسار ومصير التنظيمات الارهابية.
المتابع للأحداث يرى أيضاً وبكل وضوح مدى الارتباك والتخبط الذي أصاب العالم في مواجهة الارهاب، طريقة مكافحته وعلى وجه الخصوص بعد التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا وكل الخشية هو في أن يفرض بوتين أجنداته ويحصل بالتالي توافق روسي غربي على أساس العودة إلى سياسة دعم الأنظمة الشمولية، نظام الأسد نموذجا، كي يتمكنوا من خلالهم تسيير الأمور بالوكالة، حيث أن أمنهم القومي هو أهم ما لديهم، متناسين أن العالم قد أصبح شفافا اليوم أكثر من أي وقت مضى ولن يعود عقوداً إلى الخلف وأن الضمان الوحيد للدول الكبرى التي تدّعي الديمقراطية وتعمل على المحافظة عليها من الارهاب والتطرف لن يكون إلا من خلال العمل على نشر مبادئ الديمقراطية ودعم الشعوب الثائرة في معركتهم ضد الطغاة.
نظم الاستبداد يجب أن تُحَارَب في كل مكان فمن حق شعوب العالم الثالث أن ينعم بنفس القدر من العدالة الاجتماعية ويتمتع بالفسحة ذاتها من الحرية حتى تستطيع شعوب دول العالم المتقدم الاحساس بالأمن والنعيم في بلدانهم وبذلك يتوقف صناعة البؤس، اللجوء وتصدير الأزمات. الحرب على الإرهاب لن تنتهي دون القضاء على أسباب نشوئها، نموها وتكاثرها.
فرمز حسين
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق