الاثنين، 9 أبريل 2012


النداء الأخير                               

فرمز حسين

                                                                                                       

أتذكر مسلسلا بدويا  قديما من بطولة الفنان الأردني القدير زهير النوباني, حيث تتعرض القبيلة لغزوة فتهرع زوجته     ( شوفه) إليه متوسمة فيه النخوة، تستنهضه لنجدة القوم قائلة: بطيحان غزوة يا رجل  فينهض بطيحان وهو يحاول منع عقاله من السقوط على الأرض بكلتا يديه (  إي البارودة البارودة ) فتسرع  شوفه وتحضر له البندقية ...(.لا..  السيف.. السيف ..).  ويستمر في تبديل  البندقية بالسيف بالمسدس والعكس داخل الخيمة حتى تنتهي الغزوة, حينها يندفع بطيحان حاملا سيفه واثبا إلى الخارج  بصدر مفتوح ورأس مرفوع قائلا:( أنا أخو هدلة حنّا يا لنشامة هزمنّاهم ).

حين نتعرض للمأساة التي ألمّت ببلدنا العزيز سورية تتوجه هجمتنا قبل أي شيء اّخرعلى الأسد كعائلة وعلى المحيط الضيق من المستفيدين من فسادها.

التهجم على العائلة كغاصبة للسلطة رغم أنف الشعب على ما يزيد عن الأربعة عقود ليس موضع جدل أو تشكك , لكن العصبة التي يجب أن لا نغفلها هي الشريحة العريضة التي لولا ركوعها كمطية للطغمة الحاكمة لما استطاعت الاستمرار في بغيها بل والتمادي في فرعنتها طوال هذه العقود ,(سيدي الوطن العربي صغير عليك فأنت يجب أن تقود العالم) أنموذجا. المقصود هنا بشكل رئيسي هم البعثيين . يجب  أن لا يفوتنا ذكر فئتين منهم الأولى هي المقربة من دائرة القرار والتي يجب أن تتحمل المسائلة القانونية على الجرائم التي  هم أنفسهم ضالعين في ارتكابها والثانية هي فئة وضيعة من العواينية عمدت على إيذاء كل من رمت الأقدار أسماءهما في طريقهم وذلك  في سبيل انتهازيات ووصوليات بغيضة ضيقة , هؤلاء يجب أن يحاسبوا على جرائرهم بحق عامة المواطنين ويحاكموا على فعائلهم الرديئة التي أدت إلى سجن وإقصاء الكثيرين من الوطنيين الشرفاء دون أدنى وجه حق.

باستثناء هؤلاء فان الشعب السوري الأصيل بعراقته وطبيعته المتسامحة لن يقدم على تصفية حسابات انتقامية مبنية على أسس طائفية كما يحلو للنظام أن يروّج لذلك , بغية جذب أكبر عدد ممكن من المذعورين للالتفاف حوله .حزب البعث سوف  يدفن في نفس المقبرة مع النظام  ولن تقوم له قائمة بعدها ومن يدعي خلاف ذلك فهو أكبر دجال فالبعث كحزب بفكره ومبادئه لم يحقق من أهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية بنسبة واحد بالألف على الرغم من كونه الحزب الحاكم  والقائد للمجتمع والدولة دون منازع في سورية لمدة تسعة وأربعين عاما وفترة لاتقل عن ذلك بكثيرفي العراق  .

الغالبية الساحقة انتمت الى حزب البعث لتجنب الشبهات الأمنية أو لكي تستخدم ورقة العضوية في الحزب كشهادة تبرع بالدم أو ورقة لاحكم عليه أو حسن سلوك حين يسعى أحدهم الى تعليم أو وظيفة وبالتالي يجد ما يسد به رمقه وعائلته.

الخمسة عقود التي مضت  تعد مرحلة ربما يمكن التغاضي عنها بالنسبة للمواليين للسلطة , لكن  الثلاثة عشر شهر من عمر المسيرة الدموية للشعب السوري البطل باتجاه حريته يعد مفترق الطريق بين تاريخ مثخن بالذل واّخر ممتلئ بنشوة الحرية والفخر, ثمن الاستمرارية في النضال غال ونفيس ويدفع من دماء السوريين الذين فضّلوا مواجهة ألة القتل بصدورهم على  أن يعيشوا مسلوبي الارادة .

حتى هذه اللحظة مازالت الهجمة القوية منصبّة باتجاه العائلة المستبدة والمقربين جدا منها و إهمال دور الحاشية التي تسهّل لها فسادها.

هناك مثل يردد كثيرا عند معظم الشعوب يقول: (أن تبدأ متأخرا خير من أن لا تبدأ أبدا)

 معركة الشعب السوري مصيرية  ويجب أن يقوم أبنائها وبناتها بتسيير دفة القيادة فيها إلى أن تحقق أهدافها في سقوط النظام بكافة رموزه وإقامة دولة التعددية السياسية والديمقراطية.

 كما يبدو من مؤشرات المواقف الخارجية فيما يتعلق بالجرح السوري النازف والذي لايندمل الا بازاحة طاعنيه فان كل الدلائل تشير إلى التخاذل الدولي التام لصالح النظام.

الأمريكيون انتخبوا رئيسا كان جده مسلما لكي ينقذهم من الترسبات المتراكمة من جراء سياسة جورج بوش الابن في المنطقة العربية والإسلامية بعد أحداث سبتمبر ولكي يعيد إليهم الإحساس بالأمان في وطنهم من هجمات مماثلة , وليس لينقذهم من الأزمة الاقتصادية العالمية حينذاك كما يدّعون. أوباما نفسه يملك  من الدهاء الكفاية ليفقه ذلك ,فقد أنجز عملية سحب القوات الامريكية من العراق ويعمل على الانسحاب من أفغانستان ولم يخاطر في ليبيا مؤخرا بل ترك الأمر لقيادة الناتو.

مجرد التفاتة الى بعض المحطات الرئيسة في السياسة الخارجية الأمريكية منذ تسلم أوباما لإدارتها, يتوصل المرء إلى الاستنتاج بأن أمريكا لن تخاطر في المرحلة المقبلة في سورية حتى لو قتل نظام البعث نصف الشعب السوري , خاصة وأن حملة الانتخابات لفترة رئاسية جديدة والتي سوف تجرى في نوفمبر من هذا العام  قد بدأت فعليا منذ الآن.

الدول الغربية الأخرى  انضمت إلى نادي أصدقاء سورية  كوسيلة لإرضاء الرأي العام الشعبي من مواطنيها  إزاء الصور المؤلمة التي تأتي من الداخل السوري. هي متخوفة من سيطرة خليط من الأنظمة القومية و الإسلامية على مقادير الحكم  في الشرق الأوسط و تشكل بذلك تهديدا للقيم والمعايير الأوروبية , خاصة وأن لديها هذا الكم الكبير من الجاليات العربية والمسلمة في دولها.

أمريكا والدول الغربية تعاونت مع الأنظمة المستبدة طوال العقود الخالية في سبيل سلامة أمنها القومي من جهة واستنزاف طاقات بلاد الشرق الأوسط من جهة أخرى مقابل تغاضيهم عن التجاوزات اللا إنسانية لأولئك الحكام بحق شعوبهم, ولذلك فهم لايحسون بالالتزام الأخلاقي  والسياسي تجاه ما يحدث في سورية.

الدول العربية وإجماعهم حول الأزمة  السورية لا يعطي دفعا ولايشكل حافزا قويا للمجتمع الدولي, كونهم  هم أنفسهم ليسوا من الدول الداعية إلى الديمقراطية . بل على العكس  فان مواقفهم تدعم نظرية المتخوفين من أن الثورة السورية طائفية وبالتالي يقلل من شأنها كثورة شعب تواق للحرية.

الشعب السوري  بعيدا عن هذه السفسطائية وعن هذه المغالطات يعرف أن انتفاضته العارمة هي ثورة حقيقية ضد الظلم والطغيان,

ثورة شعب ضد حكم شمولي فاسد ومستبد.



اليوم وقد مرت على الثورة السورية ما يقارب ثلاثة عشر شهرا وأكثر من اثنا عشر ألفا من المواطنين السوريين فقدوا حياتهم ومايقارب  سبعين ألفا من الجرحى وأضعاف ذلك من المفقودين والمعتقلين ونصف مليون لاجئ داخل وخارج وطنه , مع كل هذا مازال الكثيرون يفعلون ما فعل بطيحان.

هؤلاء المواطنون السوريون الصامتون إذا قرروا  أن يلتحقوا بركب الثورة, حتى هؤلاء الذين أصبحوا بعثيين بالاسم فقط  وجالسي الأريكة من عامة الشعب  إن هبوا هبة رجل واحد لمساعدة إخوتهم الثائرين, عندها لن يكونوا بحاجة  لا لسيف ولا لبندقية, بل يكفيهم زمجرة من حناجرهم حتى ترتعد فرائس الطاغية ويهزم بدون عودة.





فرمز حسين

ستوكهولم 09-04-2012


Stockhom-sham.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق