السبت، 21 أبريل 2012

من يدفع الفاتورة


 
من يدفع الفاتورة
فرمز حسين

دمشق لها سحر أسطوري  بغض النظر عن الفصل والتوقيت  وعندما يسير المرء  تحت أفقها لا يحتاج سوى أن يطلق العنان لأفكاره في رحلة خيالية كيفما شاء . كثيرا من الأحايين يكمن في  الشرود  تهدئة للروح قبل الجسد, وكثرة الناس والزحمة في الطرقات يضيف  إلى ذلك  شعور إضافيا بالحرية التي لا يستطيع الحاكم كبتها مهما كان جبروته وسطوته خاصة  إذا كنت قادما  من منطقة ريفية أو مدينة صغيرة الكلّ فيها يعرف الكل , ذلك  الإحساس بالانحلال مع الحشود وبالاندماج الذي تشعر به أنت كأي شخص مجرد , واحد بين الجموع. لكن ثمة شيئا كان دائما يشوش علي في كل مرة أجد نفسي في شوارع دمشق  و يشوب صفاء ذلك الشعور الجميل الذي كان يمنحني خفة الريشة والتحليق عاليا مع أفكاري,  هو إجبار باعة الأشرطة (الكاسيتات, الأقراص المدمجة فيما بعد) للمارة  على سماع  الأغاني التي يريدونها شاء المرء أم أبى ! كان ذلك الفرض بمثابة عملية اغتصاب حقيقة لحاسة السمع. ليس فقط سماعها  بل  حفظها ولكثرة سماعها الإلزامي يقوم المرء بترديدها لاإراديا . (مريم مريمتي وعيني مريما) والى أغنية (طل الصباح ولاك علوش ) مؤخرا.

اليوم وبعد أن دخلت الثورة السورية شهرها الرابع عشر مع كل المآسي والضحايا التي خلفتها, سمعنا ,حفظنا عن ظهر قلب ما هو الموقف العالمي حيال الأزمة السورية ليس فقط حفظنا بل أصبحنا نردده لاإراديا : عقوبات ثم عقوبات جديدة إدانة فيتو دعم روسي صيني , مراقبين ثم مراقبين, أصبحت مقترحاتهم  مثل أغانينا الهابطة  مع فارق كبير بأن الثمن هذه  المرة أغلى بكثير وليس مخرجيها  من يدفعون الفاتورة.

الأمم المتحدة غير متحدة فيما يتعلق بالشأن السوري , هذا إذا نظرنا إلى النظام العالمي المتبع الآن على انه نظام وليس كارتيل لفرض الأمر الواقع والاستيلاء على القرار من قبل مجموعة من الدول  على جميع الأمور السياسية والعسكرية وإلا فما معنى أن لا ينفذ ولا حتى يعتبر تصويت المجلس العمومي قرارا ذات أهمية, بالرغم من إدانة 147 دولة  للنظام السوري مقابل ما يقارب  11 دولة  لصالحه  ومرتين في مجلس الأمن  ثلاثة عشر دولة تدين النظام مقابل دولتان اثنتان روسيا والصين , الحقيقة ليس هناك من هو أكثر روعة في التعبير السياسي المختصر والمفيد من الشعب السوري حيث رأيت التعبير عن الموقف المذكور في رسم كاريكاتوري لأعضاء مجلس الأمن وهم يلطمون رؤوسهم ويرددون (يا الله ما لنا غيرك يا الله) أي لا حول لهم ولا قوة لهم في التأثير على القرار مقابل الدول صاحبة حق النقض.

المعارضة أبعد من أن تكون متفقة على أهم القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على مجريات الأحداث في الشارع السوري.

الشعب السوري بجميع مكوناته  يستميت في سبيل التخلص من  سلطة الأفراد والعائلات والأحزاب التي تريد الاستمرار في الهيمنة والسيطرة على مقادير الأمور والاستفراد بالحكم , في الوقت الذي يحاول  البعض من المعارضة  الهرولة ليحل محلهم. المعارضة التقليدية  عليها أن تعرف  بأن هؤلاء الذين على الأرض في مواجهة نيران الدكتاتورية هم من سيكون لهم القول الفصل وهم الأكثر أهلية لتحمل مسؤولية القرار في المراحل الحاسمة المقبلة.

 المعارضة مشتتة لدرجة الغثيان مع ذلك  لا تنقصهم الفتاوى. مهما كانت الفجوة في الخلافات الفكرية والعقائدية كبيرة بين المعارضين لابد من أن يكون هناك خطوطا عريضة يمكن الاتفاق عليها. هناك أمر يجب أن لا يفوتنا ألا وهو أن هذه المعارضة هي في حقيقة الأمر من ستتكون منها المعارضة والمولاة في أن واحد في حكومة منتخبة بعد زوال حكم البعث أي أن هذا المزيج سمي مجازا بالمعارضة لأنهم معارضين على بقاء السلطة وليس لأن هناك روابط فكرية تجمعهم, المعارضة الآن هي مختلفة تمام الاختلاف ايدولوجيا وليس مطلوب منها أي اتفاق من هذا النوع , إسقاط النظام هو الأمر الذي يجب أن تلتف المعارضة حوله وتتوحد مرحليا.



بالمقابل فان النظام البعثي متحد تماما مع كافة فروعه الأمنية ومع كبار وصغار المستفيدين من بقاءه على السلطة.

الآن وقبل أي وقت اخرعلى المعارضة  بكافة فصائلها أن تجتمع مع نفسها كل فريق على حدة العسكرية منها

والسياسية وتسأل نفسها ماذا نريد؟ وتنتظر حتى تحصل أيضا من نفسها على الجواب الحقيقي الشافي الوافي  فتضعه بعناية تحت إبطها وتحرص على أن لا تضيّعها , حتى يصل ممثلوها إلى المكان والتاريخ الذي فيه يلتقون مع بعضهم و

يجتمعون على طاولة مستديرة عندها  يستطيعون إخراج أجوبتهم ,حيث كل من الأطراف يضطلع على الشيء الذي يريده الطرف الاخر ربما تكون المفاجأة كبيرة عندما يجدون بان أجوبتهم متشابهة لدرجة التساوي.

ما يفعله المجتمع الدولي من خلال  مبادرة كوفي عنان ليس حلا للمأساة  السورية بل هي عملية اطالة في عمر النظام  والمساعدة  على البقاء في السلطة وإجبار المعارضة على العودة إلى الكفاح السلمي بعد أن مضي قدما في الكفاح المسلح , مع حكومة عصابة يشكل الانتقام من أولويات مبادئها, أنا شخصيا ومثلي الغالبية القصوى من المواطنين السوريين كنّا ومازلنا مع النضال السلمي للتحول الديمقراطي حقنا لدماء السوريين , لكن الأمور لا تسير بالتمنّي  , ربما يريد المجتمع الدولي من الشعب السوري أن يفعل مثل حركة (أ -ن- سي ) جنوب أفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا التي عادت إلى الكفاح السلمي في نضالها ضد التمييز العنصري وكلنا نعلم بأن نضالهم استغرق عقودا قبل أن يحققوا النصر فهل هذا هو الحل المنتظر والذي يريده المجتمع الدولي ؟ هل على الشعب السوري أن ينتظر عشرات السنين حتى يتمكن من بناء دولة المواطنة والتعددية السياسية وتداول السلطة؟

ما ستؤول إليه الأمور حتى الآن في علم الغيب ! علينا أن نستمر في سما ع  وترديد:

(مريم  مريمتي , وطل الصباح ولاك علوش). في الوقت الذي يدفع فيه الشعب السوري الفاتورة من دماء أبناءه النقية.









فرمز حسين

ستوكهولم 2012-04-22


Stockholm-sham.blogspot.com









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق