السبت، 3 يناير 2015

العتّال






العتّال
قصة: فرمز حسين
حاول أن يكبت مشاعر الغيظ المتراكم , التي كانت تغلي داخل صدره وهو يسير دافعا بقدمه اليسرى دفعا و جارا خلفه اليمنى بتثاقل..
 الأحمال كانت جسيمة على كاهله.... أحسّ كأنها أغلال صدئة غليظة تعيق قدميه من السير ويديه من الحركة.
 يمشى مطأطأ الرأس بعد أن عجز مرة تلو الأخرى من النهوض بقامته مرفوع الرأس , حيث خذله ظهره
الذي بدى و كأن به تشوهات قوامية ولادية ,على الرغم من أنه كان يوما مثالا في الرشاقة.
العرق تصبب من جبينه عبر عنقه, ثم سال إلى جميع أنحاء جسده...
بدا متسخا كأنه للتو خارج من مستنقع , تراكمت الأوحال على لباسه التي لم تشأ الأقدار أن تهبه الظروف لاستبدالها أو حتى غسلها ....
تأمل الأفق على ضيقه ...كأنه يراقب عقارب ساعة تدور حول نفسها بسرعة جنونية..
 ردح من الزمن مرّ وهو على هذه الحالة..
رفع وجهه إلى السماء و هو يحدق بنظرات مليئة بمزيج من الحنق و الاستياء ...لكنها بعيدة عن التضرع..
دمدم:
 يا الله!؟
.يا الله ؟!

شعر في ذلك اليوم مثلما كان دوما يفعل بأن هناك أعين تترصده في كل مكان...
 أعين لها تأثير أثقل من تلك الأحمال المتراكمة عليه...
بعضهم  يملكون عيونا ترسل سهاما مسمومة ,صادرة من أفئدة مليئة بالضغينة ..
آخرون  تبعث أعينهم رسائل شفقة زائفة !!
فيما قلة مهتمة بشؤونها و شجونها.
 تابع سيره.....
مرة أخرى..
.توقف...
 ثم تابع سيره من جديد محاولا أن يقضم لسانه فيخُرس غضبا مستعرا في داخله إلى الأبد, إلا أن ثورةً من نوع آخر غلبه..
نظر حوله بالتفاتات متعددة سريعة ....
بدأ بنزع أكوام الأحمال.... و وضعها جانبا ...واحدة  تلو الأخرى...
 ترامت من حوله كهضبة... حاول الخروج من جوفها منتشلا جسمه الهزيل بعنف حتى تمزقت مساحات من جلده.. تسلق هضبة أثقاله أخيرا ووثب إلى الخارج ...التفت إليها.. لم يصدق ما رأته عينيه بأنه كان يسير تحت كل هذه الأعباء!
أخذ نفسا عميقا من الهواء قبل أن ينهمك في جمع ما أمكن جمعه من الحجارة .
بدأ يرشق بكل ما أوتي من قوة على المتربصين من حوله ..
تعالت أصوات تعيد إليه صيحاته حتى بدا له بأنها ليست أصداء بل أنّ هناك من يردد عليه أقواله.
 تخيل إليه أن الجميع قد لاذ بالفرار ..
 نظر من حوله .. لا أعين تترصده بل بشر تغمر السعادة وجوههم...
عاد وتنشق كمية كبيرة من الهواء ..احتفظ بها برهة في رئتيه ثم عاود التنفس بشكل طبيعي , حينها أحسّ بالارتياح لأول مرة منذ زمن طويل.
عاد الى المكان الذي انطلق منه ...
وقف مذهولا!
 ماذا حصل ؟
كانت أغلاله وأحماله قد اختفت بدون أثر !
و قف مشدوها مرة أخرى ...بدأ يتلمس جذعه ... ثم قدميه .. تحسس رأسه بكلتا يديه كأنه يريد التأكد من أنه موجود في مكانه ؟!!
فجأة أحسّ بأنه خفيف الوزن كالريشة ...
نظر الى الفضاء الفسيح بأعين واسعة ...ارتسمت لأول مرة ابتسامة عريضة على وجهه ..قبل أن يفتح ذراعيه للهواء ويحلق عاليا وسط الغيوم.

فرمز حسين
 ستوكهولم
2014-12-23
Stockholm-sham.blogspot.com
                      Twitter@farmazhussein








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق