الأربعاء، 1 يناير 2014

الوكر




الوكر
قصة قصيرة

انتاب جاويش شعور غريب وهو يطأ بقدميه أرضية الحافلة الصغيرة شبه معقوف الظهر كي يتناسب طوله مع ارتفاع العربة المنخفض متأبطا ربطة الخبز تحت زراعه اليسرى وكيس الأدوية في اليد نفسه, فيما بسط راحة يده اليمنى على سقف الحافلة ليحافظ على توازنه ويتفادى سقوطا محتملا على الركاب الجالسين.
 على الرغم من سفره شبه اليومي في وسائط النقل العامة أحس هذه المرة بغصة في حلقه, ألم في معدته وانقباض نفسي شديد هيمن على كيانه بشكل مفاجئ مترافقا بتوتر وقلق لم يعهد لهما مثيلا من قبل.
اللعنة قال في خلجات نفسه :
 أنا أعتني بكل من حولي!
 من سيعتني بي ان مرضت؟
 راودته هواجس وأفكار ..
 مرت أمام عينيه سلسلة من الصور والمشاهد ..
 تسارعت بشكل عشوائي دون ترتيب من أي نوع كان..
 اختلط الخيال مع الواقع دونما تناسق, تناغم أو انسجام..
 كل شيء بدا رماديا كالحا مشوبا بالسواد ..
مع امتزاجات عنيفة لألوان متنافرة بعضها بدت فاقعة , صاخبة ..
أخرى باهتة, معتمة, صامتة,  تنشر الكآبة في كل محيطها ..
أربكت تلك المشاهد تفكيره ..
عكّرت الجزء المتبقي من صفاء ذهنه..
 أبعدته عن لحظته المعاشة ..
 جعلته أسير حلم أقرب منه الى الكابوس وحضور أشبه بالغيبوبة.

ضرب أخماس بأسداس وهو يحسب الأعوام العديدة التي انتظرها لاستلام شقته على الهيكل من الجمعية السكنية..
 انتقل اليها نصف مكسية ..
 مازال حلم الانتهاء من اكسائها مرافقا له أينما حل ..
 تذكر الغرفة العارية المتبقية وكذلك  المنتهية التي في داخلها يرقد ثلاثة معاقين في سن المراهقة..
عبء الاهتمام المضني بهم , أنهكت ابنة العم , الزوجة تدريجيا ..
 تكالبت عليها الأمراض من كل حدب وصوب..
غدت هي الأخرى شبه معاقة عضويا .. نفسيا .. كمحصلة للضغوط الهائلة ..
ارتفع العدد الى أربعة.
غريب أمر هذه الدنيا !؟
في البداية كان يواسي نفسه بأن أجمل الأيام هي تلك التي  لم يعشها بعد..
 فلسفة ناجعة للالتفاف على المصاعب ..
تحمل ثقل الظرف الحاضر بكل انتكاساته ..
 الآن بدا العكس تماما ..
 أجمل الأيام هي التي مضت ..
 لن تعود الا في الأحلام ..
 وقوف الحافلة الاضطراري منعه من أن يسترسل في تذكر الماضي .
 على  جميع الركاب النزول والسير على الأقدام  صاح السائق البدين ..
بعد سماع دوي هائل ..
تواجد كثيف لقوات الأمن في كل مكان .
رائحة البارود والنفط اشتدت ترافقاً مع غبار خانق
 حاملاً معه شبح الرعب ..
رائحة الموت ..
 مع كل خطوة.
 هناك في القسم الجنوبي المرتفع المطلّ على البناء الذي يضم شقته ..
وقف مشدوها كالمعتوه ..
 سقطت ربطة الخبز من يده ..
 تلاها كيس الدواء ..
تهاوى هو نفسه بجسده النحيل على الأرض ..
اصطدم رأسه  ببقايا الصخور المتناثرة هناك ..
 قبل أن يغيب عن الوعي ..
 تذكر صوت مذيعة الأخبار في راديو (الفوكس) وهي تقول:
نفذت قواتنا المسلحة البطلة عملية نوعية. .
قامت  بتدمير وكرا للإرهابيين  مليء بالأسلحة والعتاد , جماعة ارهابية ,قوامها ثلاثة شبان وامرأة لقوا حتفهم.




فَرَمَزْ حسين
2013-12-26
ستوكهولم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق