الثلاثاء، 21 فبراير 2012


الولد سر أبيه


                                                                                                                                                              
قوانين حماة
أن نشاهد الجيش السوري, وهو يقصف مدينة حمص السورية, للقضاء على الثائرين ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
هي عملية إعادة لفيلم سينمائي سيئ جدا,  بطلها والد بشار, حافظ الأسد,   مثل هذا الشهر  (شباط)  يكون قد انقضى ثلاثين سنة بالضبط.  أعرف ذلك ، لقد رأيت النسخة الأصلية.

لقد كان شهر نيسان عام 1982 م وكنت قد وصلت لتوي إلى بيروت, كمراسل صحفي عن جريدة نيويورك تايمز. سرعان ما سمعت قصصا مروعة, عن تمرد كان قد حصل خلال شهر شباط في مدينة حماة السورية, بقيادة جماعة الإخوان المسلمين السورية. الوصف كان بالكلام حيث لم يكن هناك حينئذ (انترنت أو هواتف محمولة).  حافظ الأسد كان قد سحق الثائرين بقصف جميع أحياء حماة.  بعد القصف  عمل على أن يفجر الأبنية بالديناميت لكي تتهدم وتتساوى مع الأرض,  قسم  منها كان مازال البعض من سكانها بداخلها.                                                                         
هذا ماد فعني إلى الحصول على تأشيرة دخول إلى سورية.  كان ذلك متزامنا مع إعادة فتح الطرق إلى مدينة حماة.   النظام السوري كان يشجع السوريين على العبور من حماة. لكي يشاهدوا المدينة المقهورة ويأخذوا العبرة منها.
فما كان مني الا أن استقلت سيارة أجرة ومضيت إلى هناك.    لقد كان ذلك شيئا مذهلا, رقع الأرض التي كانت الأبنية مشادة
عليها, تم تحويلها باحتراف إلى حدائق عامة,  كل منها في مساحة ملعب كرة قدم. لوأنك ركلت التراب بقدميك لظهرت قطعة من الألبسة أو كتاب مهترئ أو فردة حذاء. منظمة العفو الدولية قدرت عدد الضحايا الذين قتلوا حينئذ بحوالي 20000 شخص. لم أشاهد قط في حياتي كلها وحشية بهذا الحجم.  وفي كتاب كتبته فيما بعد أعطيته عنوانا باسم ( قوانين حماة).

قوانين حماة هي أن لاقوا نين البتة.هي أن تفعل كل مايستوجب فعله, للبقاء على كرسي السلطة. ليس فقط أن تهزم أعداؤك, بل يجب أن تنسفهم في عقر دارهم, ومن ثم تسحقهم ,بحيث أولادهم وأولاد أولادهم  لن ينسوا ذلك ابدآ,  ولاحتى أن يكون  لديهم المقدرة  بأن يحلموا في تحدي مشيئتك مرة أخرى.

حسنا ثلاثون سنة انقضت.  أولاد هؤلاء الأطفال السوريين قد نسوا ولقد تخلصوا من خوفهم. هذه المرة من كل حدب وصوب. نعم ليس فقط الإخوان المسلمين يثورون في مدينة واحدة فقط. الآن أنهم الشباب من كل أنحاء سورية.



نافتجي ضيلون, و طارق يوسف, يعملان محررين  في ( جيل في الانتظار) , عن الوعود الغير مكتملة للشباب في الشرق الأوسط يقولان: بأن أعداد الشباب بين سن 15 وحتى 29 في الشرق الأوسط قد ارتفع من 67 مليونا عام 1990 إلى  مئة مليون  شخص . الكثير من الوعود التي وعدتها حكوماتهم عن منح الفرص المؤدية إلى العمل والزواج , توفير السكن , و بأن يكون لهم دور وصوت في صياغة مستقبلهم.  كل هذا لم يتحقق ,وهذا مأدى إلى تفجر هذه   الثورات البركانية.

لكن سورية ليست النرويج . ومطلب الديمقراطية , ليست المسرحية الوحيدة التي تلعب على الخشبة. هناك في سورية أيضا تجمعات قبلية  بشكل كبير ,وسورية بلد يحتوي على انقسامات طائفية شتى . أقلية الشيعة العلويين بقيادة الأسد . وتسيطر على الحكومة , الجيش,  والأجهزة الأمنية .  العرب السوريين السنة  الذين يشكلون الأغلبية العظمى ,الكرد المسيحيين  , الدروز .

عندما بدأت الاحتجاجات في سورية بدأت بلا عنصرية ,لاطائفية, لاعنف . جاءت تعبيرا عن رغبة الشباب السوريين أن يعاملوا كمواطنين ذو حقوق وكرامة.  فما كان من الأسد الا أن  واجههم  بقوانين حماة, ماأدى ذلك لاحقا إلى اللجؤء للعنف المضاد كنتيجة.

هذا الشئ عزز المخاوف الطائفية لدى جميع الأطراف.  الآن من الصعب  أن نقول أين مطالب الثورة الديمقراطية تتوقف. وأين المطالب الطائفية تبدأ.

الرغبة الفجة عند الأغلبية السنية السورية بإسقاط حكم الأقلية العلوية قد بدأت تنضج. لهذا نجد اغلب العلويين يهرعون لنجدة الأسد. كذلك بعض السنة المنتفعين من السلطة. خاصة في حلب ودمشق.

هؤلاء العلويين المواليين للسلطة, والسنة يرون الفوضى  والشغب في مصر. و يناجون أنفسهم :  الأسد ام الفوضى؟
عندئذ الأسد, هو الخيار .  ماذا نفعل؟  نريد انتقالا سلميا للسلطة . من الأسد , من الحكم الفردي, إلى حكم أكثر تعددية سياسية . لانريد حرب أهلية في سورية.  التي من شانها أن تهدد استقرار المنطقة بالكامل.

تذكر بأن مصر تفجرت داخليا, ليبيا تفجرت داخليا, وتونس تفجرت داخليا, في سورية سوف يكون انفجارها داخليا و خارجيا !

لاأعرف ماالذي يعد كافيا لإقناع الأسد  بالتخلي عن السلطة لحكومة وطنية موحدة.  لكني أعرف ماهو الضروري عمله: عليه أن  يخسر العاملان  الداعمان  لنظامه : العامل الأول  الصين وروسيا وإيران . على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الإسلامية و العربية , أن تمارس المزيد من الضغوط على موسكو وبكين وإيران.  من اجل وقف دعمها قتل الأسد للمدنين العزل من شعبه. روسيا قد لاتهتم لرأي الولايات المتحدة ولكنها ستهتم لمواقف الأمم الأخرى.

أما العامل  الثاني:  يستطيع السوريين فقط القيام به  , الا وهو انقسام المعارضة السورية الذي مازال قائما . على السوريين إيجاد السبل الكفيلة بتوحيد صفوفهم .  وكذلك من الأهمية بمكان التوصل إلى العلويين والمسيحيين والتجار السنة, والعمل على طمأنتهم بان مصالحهم ستكون محفوظة في سورية الجديدة, لكي يتخلوا عن الأسد. بدون العمل على تحقيق هذا الاشياء , لن يكون  هناك أية فائدة من كل ماجرى .

بقدر ما تتحد وتنتظم كافة المكونات السورية في الاحتجاجات  وتوضح للسوريين وأيضا للعالم بأنهم بصدد إقامة سورية جديدة, تعددية.  فيها يعامل الجميع كمواطنين متساويين , بقدر ما يصبح الأسد أضعف .  وبقدر ما يظهر بأن  سورية مابعد الأسد ستكون دولة لديها الفرصة للاستقرار, وستكون جديرة بتحقيق  مستلزمات العيش اللائق للمواطن السوري.

كلما بقيت المعارضة السورية على انقسامها, كلما اشتدت شوكة الأسد, و تشبث به البعض من السوريين خوفا من الفوضى والمجهول, وكلما هو أيضا نجا  بنفسه باللجوء إلى تطبيق قوانين حماة                                              









كاتب المقالة توماس فريدمان كاتب وصحافي امريكي
حائز على جائزة بوليتزر ثلاث مرات
كتب العديد من الكتب الاكثر مبيعا
ترجمة فرمز حسين 

عن صحيفة انترناشيونال هيرالد تريبيون الامريكية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق