الأحد، 4 مارس 2012


 احذر - هنا مكمن التنين-

توماس فريدمان

ترجمة: فرمز حسين

في العصور الوسطى ، كانت المناطق المعروفة عنها بالخطورة أو التي لم يتم معرفة غياهبها، أن تعنون بقطعة مكتوبة عليها احذروا : (هنا مكمن التنين).

 لو كان هؤلاء المشرفون على رسم الخرائط موجودون في عصرنا هذا، لوضعوا قطعا بهذا التحذير على سائر منطقة الشرق الأوسط اليوم، (هنا مكمن التنين).

بعد تفجر الثورات العربية، من العقلانية  أن يتملكنا الشك والريبة في أسوأ الأحوال، مما ستؤول اليها هذه الثورات, وفي أحسن الأحوال، أن يكون لدينا الأمل من رؤية هذه البلدان، وهي تقوم بتغيير شاق من الأحكام الاستبدادية الى الديمقراطية.
لكن إذا نظر المرء بصدق إلى المنطقة مؤخرا، يستنتج أن مشهد الانتقال السلس، من الاستبدادية إلى الديمقراطية في أي أمد قريب
 يبدو ضبابيا في الوقت الحاضر.
 انه لمن المبكر أن نبدأ بفقدان الأمل، ولكن ليس بالمبكر أن يبدأ عندنا القلق.
يعلم الله بأن سبب القلق هذا، ليس الشباب العرب الشجعان، ولاالكثيرين من المواطنين العاديين ،الذين بدأو هذه النهضة
 للبحث عن الكرامة، الحرية والعدالة.
بل أن أسباب  القلق هذا يعود إلى أن السلطة والدجل ، الباقيتان عند المتأصلين  من الحرس القديم ومن أصحاب الأفكار القديمة في هذه البلدان، هي أعمق عما يتصوره الكثيرين.

هناك أيضا هشاشة وافتقاد للمؤسسات الديمقراطية ، هناك التقاليد،و قلة الأمثلة التي يمكن الاقتداء بها، وكلها تشكل موانعا كبيرة أمام التحول الديمقراطي.
هناك مقولة  :  أن داخل كل رجل بدين، رجل آخر نحيف يستميت  للخروج منه. يقول ميشيل ماندلباوم,، خبير
  السياسة الخارجية في مدرسة هوبكنز للدراسات الدولية. ويردف قائلا: (أيضا نعتقد بأن داخل كل حكم مستبد، آخر ديمقراطي يستميت للخروج منه). لكن ذلك ربما لايصح على الشرق الأوسط.

لقد كانت تلك حقيقة في أوروبا الشرقية 1989، يضيف ماندل باوم ، لكن هناك فروقا جمة بين أوربا الشرقية والشرق الأوسط. الكثير من دول أوروبا الشرقية ،كانت لديها سابقا أنظمة ليبرالية للرجوع والاستناد عليها. بعد رفع الشيوعية السوفيتية المفروضة والمصطنعة عنها. كذلك كانت لأوروبا الشرقية، نموذج قوي و ناجح من اقتصاد السوق الحر
على عتبة بابها (الاتحاد الأوروبي)
معظم الدول العربية والإسلامية لاتوجد لديهم هذه الإمكانيات. لذلك عندما تسقط عنهم قبضة الأحكام المستبدة الحديدية
سوف لن يعودوا للاستناد الى الليبرالية، بل الى الإسلام، الطائفية، القبلية أو الحكم العسكري.
لكي نتأكد علينا أن نتذكر كم من الوقت استغرقت لأمريكا، بأن تبني نظامها الليبرالي السياسي. تلك الاستثنائية هي التي صنعتنا اليوم.
تقريبا من أربعة أعوام، انتخبنا نحن الأمريكان رئيسا أسودا ممن كان جده مسلما، لكي يخرجنا من الأزمة الاقتصادية.
الآن نحن بصدد انتخاب رجل آخر مورمون، وهذا يبدو طبيعي جدا لنا.
لكن ذلك استغرق مائتي عام، وحربا أهلية لكي نتطور بهذا الشكل.
العرب والأفغان مازالوا في عقدهم الأول . لقد رأينا في سورية كيف أن النظام وبسرعة،  حوّل الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية إلى حرب طانفية. تذكر بأن المعارضة تقريبا بأكملها بدأت سلمية. من خلال الحراك في سائر الأراضي السورية، مطالبة بالتغيير الديمقراطي. لكنها قوبلت عن تعمد من قبل بشار الأسد بالغل والحقد، وأراد أن يجعل النزاع بين الأقلية العلوية التي ينتمي إليها ، ضد أغلبية المسلمين السنة ، كطريقة لتجريد المعارضة من المصداقية .
بيتر هارلنك وسارة بيركة خبيرين في شؤون الشرق الأوسط، والذين كانا في سورية، يقولان  في بحثهما مؤخرا: عوضا عن الإصلاحات التي تخلّف النظام في تطبيقها ، بدأ الإعلام الحكومي يعرض أسلحة ومخلفات أخرى، بأنها عثرت عليها في جامع بدرعا وأنها لمجموعات ارهابية،  درعا المدينة الجنوبية التي كانت مهدا للاحتجاجات، كما حذر النظام من أن الذي حدث  في حمص كانت محاولة لتشييد امارة سلفية.
هذه المناورة على السوريين، يؤكد أن النظام مقتنع بأن التهديدات من الحرب الأهلية، سوف يجبر المواطنين وكذلك اللاعبين الخارجيين، على أن يسلموا باالأمر الواقع، وأن يسعوا إلى الحفاظ على النظام الموجود، على أنه الضمان الوحيد والحصن الحصين ضد الانهيار.
 المناورات والتلاعب بالعواطف نفسها، نشاهدها في أفغانستان. الجنود الأمريكيون أحرقوا بعض المصاحف في حادثة غير مقصودة، اعتذر الرئيس اوباما. مع ذلك يقوم الأفغان بأسبوع كامل من التهييج، وقتلوا أمريكيين أبرياء كردة فعل.
القيادات الأفغانية حتى الذين يعتبرون من حلفاء أمريكا، لم يجرأ أحد منهم أن يقف ويقول: مهلا ان ماتفعلونه  خطأ ، في كل أسبوع هناك في باكستان ، أفغانستان، العراق، مسلمون يقدمون على أعمال انتحارية ، تودي بحياة مسلمين آخرين. ماذا نقول عن ردة فعلنا تجاه أنفسنا (عندما يقتل المسلم أخوه المسلم). هم بحاجة الى مثل هذه المناقشة. 
 في مصر يصبح جليا يوما بعد يوم ،بأن الجيش استغل ثورة ميدان التحرير، للتخلص من
الحكم الخصم له على مدى عقود طويلة، والذي كان في طريقه إلى التوريث، إلى ابن حسني مبارك ، جمال الذي كان يتمتع بعقلية أكثر اصلاحية من أباه، الاّن تخلصوا من الابن والأب معا. 
الجيش يظهر وجهه الحقيقي عندما يحاكم أمريكيين ، أوربيين ومصريين من دعاة الديمقراطية باتهامهم : بالتعامل مع الاستخبارات الخارجية (سي آي إي، إسرائيل، اللوبي اليهودي) بهدف زعزعة استقرار مصر.
هذه اتهامات مختلقة وباطلة، لكن هذا يعني أن الجيش يريد الإضعاف من قدرات المطالبين بالديمقراطية.
طور الصحوة العربية الإسلامية انتهى .الآن نحن في طور عميق للثورة المضادة. كأن به أيادي ميتة من الماضي تحاول
أن تخنق المستقبل.

أنا مستعد لاحترام أية أفكار تفضي الى ايجاد نوع المساعدات ، التي نحن في الغرب نستطيع تقديمها للقوى المطالبة بالديمقراطية الشريفة، لكي تنجح.

لكن في النهاية هذه المعركة هي معركتهم. عليهم أن يكونوا أصحابها. أتأمل أن لاتكون نهايتها ، كما كانت تحدث على أرض التنين، بأيدي المتطرفين ، الذين يستمرون في البقاء على طول الطريق، والمعتدلون يختفون.

كاتب المقالة توماس فريدمان

هيرالدتربيون 01-03-2012

ترجمة: فرمز حسين، ستوكهولم

تنويه 

المقالة المترجمة تعبر حصرا عن ايدولوجية كاتبها فحسب. المترجم










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق