الأربعاء، 14 مارس 2012


ثرثرة قرب قاسيون
فرمز حسين
الحقيقة المرة التي يجب أن نعرفها جميعا، هي أن الأمور في سورية سوف تمضي من سيئ إلى أسوأ،قبل أن تعود وتتحسن، ومع الأسف الشديد أن أرواح المواطنين السوريين هي وقود هذه الاستمرارية.

 صور المجازر التي ترتكب بحق الشعب الأعزل، وتبث عبر وسائل الإعلام تمزق الفؤاد و تحزّ في الضمير البشري.

لو أن سلفادور دالي حيا،  لبحث المسكين لنفسه عن مذهب فني آخر غير السريالية، بمجرد رؤيته للصور المؤلمة التي تأتي من سورية.

عندما أنظر إلى السيد كوفي عنان ، الملقب بأبرع دبلوماسي في العالم ،وهو يجلس إلى جانب  الرئيس السوري ، ثم استمع اليه في مرحلة أخرى وهو يدلي بانطباعاته للصحفيين، لا يسعني الا أن أتذكر مثل قديم يقول:

 (في الحروب الشيوخ يثرثرون والشباب تقتل).

النزيف السوري لايمكن ايقافه،  لقد تجاوز مرحلة الحلول الذي يمكن التوصل  اليه عبر الثرثرة،  منذ أمد بعيد. هذا الاستنتاج لا يحتاج إلى أن نكون نبهاء لكي نتوصل إليه.

 حريّ بالغرب أن يتفاوض مع تلك الدول التي تدعم النظام السوري، وتسعى للحفاظ على كينونته،  ويوفر بذلك على نفسه عناء السفر من و إلى دمشق.

بشار الأسد ليس غورباتشوفا،  لن يقوم بأية بروتسترويكا سورية، لماذا لا يريد  أحد في هذا العالم أن يفقه ذلك؟؟

الحكومة السورية هي سلطة غير قانونية .  فقدت شرعيتها منذ أن سقطت أول ضحية ، على يد عصابات المليشيا المسلحة (الشبيحة).

الدولة التي تملك هذا الكم الهائل من المؤسسات العسكرية والمدنية، مع ذلك تقوم باستخدام مليشيا مسلحة،  لنشر الرعب بين مواطنيها، تكون قد انحرفت عن نهج الدولة إلى عرف العصابات.  هذا ما فعله النظام السوري منذ بداية الاحتجاجات في البلاد.

مع ذلك أخذ وقتا طويلا، وسال الكثير من الدم السوري ، قبل أن يأتي أي موقف عربي أو أجنبي ضده!

السبب هو أن الدم السوري يبدو رخيصا جدا ، مقارنة مع مصالح بعض الدول ، والسلوك الميكافيلي لقادتها، الذين يريدون البقاء على نظام الأسد، كي يحققوا مكاسبا سياسية لأنفسهم. بوتين خير نموذج يمثل هذه السلوكية، ويكرّس هذا الزعم.

استمع إلى هذه القصة الحقيقية:

 إحدى الشخصيات السياسية السويدية المعروفة عنها بالنزاهة  والوطنية والاستقامة ، خدمت بلادها لسنوات طويلة، و انخرطت في النشاط السياسي والحزبي منذ مرحلة شبابها الأولى، كانت تشغل منصبا وزاريا ، اضطرت إلى أن تستخدم بطاقة الائتمان الوظيفية  التي كانت في عهدتها ، لشراء قطعة شوكولاته وفوط نسائية، حيث لم تكن تحمل معها نقدا. ذلك الاستخدام اكتشف فيما بعد. قامت الدنيا ولم تقعد، تحولت القضية إلى فضيحة إعلامية كبرى، أجبرت الوزيرة على أثرها أن تستقيل من منصبها!!

هناك الكثير من الأمثلة المشابهة.

قد يقول قائل، سورية ليست السويد. نعم بكل تأكيد ، لكننا نعيش في نفس العصر، وعلى التقويم نفسه  ميلاديا كان ، أم هجريا.

ما ذا ينتظر بشار الأسد لكي يتنحى عن الحكم، عام كامل مضى وأكثر من عشرة آلاف قتيل، إذا وزعوا على أيام السنة، يكون  بمعدل ثلاثون روحا يزهق مع  اشراقة  كل شمس جديد. فاتورة يومية يدفعها الشعب السوري من دماء أبناءه وبناته. هذا بالإضافة إلى مئات الآلاف من الجرحى،المعتقلين والمهجرين ،
 وسيد الوطن يبقى سيدا،  شاء الوطن أم أبى !!                                                                                

المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص الدول الغربية، الذين يزعمون خشيتهم من  التدخل العسكري، وبأن ذلك سوف يؤدي إلى تحول الأمر لحرب أهلية، تمتد بويلاتها الى الدول المجاورة على أسس مذهبية وطائفية . هنا وبعد كل هذه المناورات، سؤال يفرض نفسه، أليس بالضبط هذا ما سيحدث ؟ حين يتمادون في سلبيتهم هذه.

الثرثرة مستمرة والجرح السوري في التهاب متزايد. عنان يبقى أبرع دبلوماسي في العالم. لأنه ليس من الدبلوماسية في شيء، أن نقول بأنه أبرع ثرثار في العالم.

الأمل ليس بالمندوب الدولي، الأمل بالشعب السوري الشجاع الذي سطر بدمائه الزكية، ملاحم بطولية ستروى للأجيال القادمة في كتب تاريخ حقيقية، في سورية الجديدة. الوطن الذي  سيتسع لكافة أبنائه، مهما كانت انتماءاتهم، ومشاربهم.

الشعب السوري سوف ينتصر مهما تخاذلت القوى الإقليمية والدولية، لقد قالوا منذ عهد الإغريق:

 (أن صوت الشعب هو صوت الله).

  سورية سوف تعبرمن خلال تحديات صعبة ، تتحول من سيء إلى أسوأ، طوال الفترة التي يبقى فيها النظام الاستبدادي.  مسيرة الحرية سوف تكون شاقة . لكن لاخشية من الدخول في مرحلة طويلة من الانفلات الأمنيز  الفضل في ذلك يعود الى الإيمان ، القيم الدينية الإسلامية ، المسيحية وغيرها ، كذلك البنية الاجتماعية والتركيبة العشائرية ، سوف تمكّن السوريين من تجاوز المرحلة الانتقالية بسلام. النظام زائل لامحالة، لقد انتهت مدة صلاحيته وأصبح كالسمّ الزعاف. السؤال فقط متى؟؟            

 كلما طال فترة الصراع هذه، كلما ازدادت معها المدة،  التي تحتاجها  الدولة ومؤسساتها لاسترداد عافيتها، في مرحلة ما بعد الأسد.

التوجس الكامن عند الغرب والشرق، من ماّل الأمور إلى التيارات الإسلامية، قد تصح في بداية الأمر، لكن الشباب الثائر الذي صنع الثورة من دون ارتباطات أيدلوجية يمينية، يسارية، أو حتى دينية، سوف يكون بالمرصاد لكل من يتسلم دفة القيادة ويجلس على كرسي الحكم . إذا تبين فيما بعد بأنهم لا يرتقون بأنفسهم إلى مستوى مطالب الثورة، ألا وهي الحرية، العدالة، المساواة، الخ.

حتى لو أرادت بعض الجهات  ركوب الموج ، واستغلال الثورة للتوصل إلى أهداف مؤد لجة، سوف تجبر على

النزول عند رغبة  ثورة الكرامة ولا حيّز لكل ما عداها.



فرمز حسين

كاتب كردي سوري مقيم في ستوكهولم

                Farmaz_hussein@hotmail.com                    

Stockholm-sham.blogspot.com

      twitter@FarmazHussein      












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق